الإخوة الأعضاء الكرام : الرجاء في حال وضع صور في المنتدى أن يكون رفعها على مركز الرفع الخاص بالمنتدى وهو موجود في صندوق الموضوع المطور أو ضمن الإعلانات النصية الموجودة أسفل المنتدى ، لأن ذلك يسهم في سرعة المنتدى وأدائه ، وشكراً لكم على كرم تعاونكم || كن بلا حدود ولا تكن بلا قيود .|| إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا . || قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك . || الإرهاب .. لا دين له || |





أطلال اللغة والأدب العربي . يختص بكل ما له شأن بالأدب العربي بجميع أقسامه وفروعه من لغة وأدب وبلاغة وفصاحة وبيان ومحسنات بديعية وغيرها من الفنون الأخرى مما يندرج تحت تصنيف ( الأدب )

الإهداءات

- ابن جني والدرس الصوتي:

نهض ابن جني (ت: 392هـ) بأعباء الصوت اللغوي بما يصح أن نطلق عليه اسم الفكر الصوتي، إذ تجاوز مرحلة البناء والتأسيس إلى مرحلة التأصيل والنظرية، فقد تمحض لقضية الأصوات في

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 09-28-2013

زرياب غير متواجد حالياً
لوني المفضل Darkblue
 رقم العضوية : 105
 تاريخ التسجيل : Oct 2010
 فترة الأقامة : 4936 يوم
 أخر زيارة : 04-19-2022 (02:26 PM)
 المشاركات : 405 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : زرياب is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي - ابن جني والدرس الصوتي:






نهض ابن جني (ت: 392هـ) بأعباء الصوت اللغوي بما يصح أن نطلق عليه اسم الفكر الصوتي، إذ تجاوز مرحلة البناء والتأسيس إلى مرحلة التأصيل والنظرية، فقد تمحض لقضية الأصوات في كتابه (سر صناعة الإعراب) مما جعله في عداد المبدعين، وخطط لموضوعات الصوت مما اعتبر فيه من المؤصلين، ونحن الآن بازاء بيان المبادىء العامة لفكره الصوتي دون الدخول في جزئيات الموضوع.
ويجدر بنا في بداية ذلك أن ننتبه لملحظين مهمين ونحن نستعرض هذا الفكر في سر صناعة الاعراب الصوتي: frown.gif 1).

أ ـ إن ابن جني كان أول من استعمل مصطلحاً لغوياً للدلالة على هذا العلم مازلنا نستعمله حتى الآن وهو « علم الأصوات».
ب ـ إن ابن جني يعدّ الرائد في هذه المدرسة، وكان على حق في قوله في كتابه: «وما علمت أن أحدا من أصحابنا خاض في هذا الفن هذا الخوض، ولا أشبعه هذا الإشباع. . . (2 )»

وبدءاً من المقدمة يعطيك ابن جني منهجه الصوتي، لتقرأ فيه فكره، وتتلمس فلسفته، وتتثبت من وجهته، فيذكر أحوال الأصوات في حروف المعجم العربي (من مخارجها ومدارجها، وانقسام أصنافها، وأحكام مجهورها ومهموسها، وشديدها ورخوها، وصحيحها ومعتلها، ومطبقها ومنفتحها، وساكنها ومتحركها، ومضغوطها ومهتوتها، ومنحرفها ومشرّبها، ومستويها ومكررها، ومستعليها ومنخفضها، إلى غير ذلك من أجناسها» .


الصوتي: P66-77-7.png

وابن جني في هذا الاسترسال السلس يعطينا مهمة الفكر الصوتي في تحقيق المصطلحات بعامة عن طريق تشخيص المسميات التي أسماها، وإن سبق إلى بعضها عند الخليل وسيبويه وهو لا يكتفي بهذا القدر حتى يبحث الفروق، ويعين المميزات ويذكر الخصائص لكل حرف من هذه الأصناف، ويفرق بينها وبين الحركات، مع لوازم البحث ومقتضياته، إلماماً بجميع الجوانب، وتنقيباً عن كل النوادر المتعلقة بهذه الأبواب فيقول:

«وأذكر فوق مابين الحرف والحركة، وأين محل الحركة من الحرف: هل هي قبله أو معه أو بعده؟ وأذكر أيضاً الحروف التي هي فروع مستحسنة، والحروف التي هي فروع مستقبحة، والحركات التي هي فروع متولدة عن الحركات، كتفرع الحروف من الحروف. وأذكر أيضاً ما كان من الحرف في حال سكونه له مخرج ما، فإذا حرك أقلقته الحركة، وأزالته عن محله في حال سكونه، وأذكر أيضاً أحوال هذه الحروف في أشكالها، والغرض في وضع واضعها، وكيف ألفاظها ما دامت أصواتاً مقطعة، ثم كيف ألفاظها إذا صارت أسماء معرفة، ما الذي يتوالى فيه إعلالان بعد نقله، مما يبقى بعد ذلك من الصحة على قديم حاله، وما يمكن تركبه ومجاورته من هذه الحروف وما لا يمكن ذلك فيه، وما يحسن وما يقبح فيه مما ذكرنا، ثم أفرد ـ فيما بعد ـ لكل حرف منها باباً أغترف فيه ذكر أحواله وتصرفه في الكلام من أصليته وزيادته، وصحته وعلته، وقلبه إلى غيره، وقلب غيره إليه»(4).

إن هذا المنهج يكشف عن عمق الفكر الصوتي عند ابن جني إذ يعرض فيه عصارة تجاربه الصوتية دقيقة منظّمة، ويتفرغ لبحث أصعب المشكلات الصوتية بترتيب حصيف يتنقل فيه من الأدنى إلى الأعلى، ومن البسيط إلى المركب حتى إذا تكاملت الصورة لديه، بدأ بالبحث المركز، فلا ترى حشوة ولا نبوة، ولا تشاهد تكرارا أو اجتراراً، فأنت بين يدي مناخ جديد مبوب بأفضل ما يراد من التصنيف والتأليف، فلا تكاد تستظهر علما مما أفاض حتى يلاحقك علم مثله كالسيل اندفاعاً، ولعل أبرز ما تعقبه في سر صناعة الاعراب لصوقا بجوهر الصوت الخالص البحوث الآتية:

1 ـ فرق ما بين الصوت والحرف.
2 ـ ذوق أصوات الحروف.
3 ـ تشبيه الحلق بآلات الموسيقى (المزمار، العود).
4 ـ اشتقاق الصوت والحرف.
5 ـ الحركات أبعاض حروف المد.
6 ـ العلل وعلاقتها بالأصوات.
7 ـ مصطلحات الأصوات العشرة التي ذكرها آنفاً مع ما يقابلها.
8 ـ حروف الذلاقة والأصمات.
9 ـ حسن تأليف الكلمة من الحروف فيما يتعلق بالفصاحة في اللفظ المفرد، وتأصيل ذلك على أساس المخارج المتباعدة.
10 ـ خصائص كل صوت من حروف المعجم، وحيثياته، وجزئياته كافة، بمباحث متخصصة لم يسبق إليها في أغلبها، فهي طراز خاص في المنهج والعرض والتبويت.

ولو أضفنا إلى مباحث (سر صناعة الإعراب) جملة من مباحثه في جهوده الأخرى لا سيما في كتاب (الخصائص) لتوصلنا من ضم بعضها لبعض إلى مجموعة مفضلة من مباحث الصوت اللغوي يمكن رصدها وتصنيفها على النحو الآتي:

1 ـ الصوامت من الحروف والصوائت.
2 ـ علاقة اللهجات بالأصوات.
3 ـ علاقة الإعراب بالأصوات.
4 ـ التقديم والتأخير في حروف الكلمات وتأثيرهما على الصوت.
5 ـ علاقة الأفعال بالأصوات.
6 ـ الإعلال والإبدال والإدغام وأثرها في الأصوات.
7 ـ الأصوات وعلاقتها بالمعاني.
8 ـ زيادة المبنى الصوتي وأثره في المعنى.

ويبدو لي أن هذه هي أهم الأصول العامة لمباحث الصوت اللغوي عند ابن جني في كتابيه، والتوسع في كل أصل يقتضي بحثاً متكاملاً في كل مقوماته، وبذلك يتوصل إلى فكره الصوتي، في العرض والأسلوب والنتائج، والسبيل ميسرة أمام الباحثين، ولا بد لنا من الإشارة لملامح هذا الفكر في نقاط، لأننا لسنا بازاء تتبعه، بل بازاء القرب إليه لرصد مميزاته ومنهجه في المعالجة والإفاضة والتصنيف.

أولاً: لقد تتبع ابن جني الحروف في المخارج، ورتبها ونظمها على مقاطع مستفيداً بما ابتكره الخليل، إلا أنه كان مخالفاً له في الترتيب، وموافقاً لسيبويه في الأغلب إلا في مقام تقديم الهاء على الألف، وتسلسل حروف الصفير(5).

ويرجح الدكتور حسام النعيمي أن تقدم الهاء على الألف في كتاب سيبويه من عمل النسّاخ، لأن ابن جني ـ وهو أقرب إلى عصر سيبويه من النسّاخ المتأخرين ـ قد نصّ على أن الألف مقدمة على الهاء عند سيبويه، وإن حروف الصفير وهي (الزاي، السين، الصاد) من مخرج واحد فلا يتقدم أحدها على الآخر، فلم يبال بالتقديم والتأخير بينها لذلك(6).

وهكذا كان ترتيب الحروف عند ابن جني على ترتيب المخارج: الهمزة، الألف، الهاء، العين، الحاء، الغين، الخاء، القاف، الكاف، الجيم، الشين، الياء، الضاد، اللام، الراء، النون، الطاء، الدال، التاء، الصاد، الزاي، السين، الظاء، الذال، الثاء، الفاء، الباء، الميم، والواو ـ(7).

وهذا الترتيب مخالف للخليل، وفيه بعض المخالفة لسيبويه في ترتيبه كما يظهر هذا لدى المقارنة في جدولة الترتيبين كما سبق.
وابن جني لا يخفي هذا الخلاف بل ينص عليه، ويذهب إلى صحة رأيه دونهما فيقول:
«فهذا ترتيب الحروف على مذاقها وتصعدها، وهو الصحيح، فأما ترتيبها في كتاب العين ففيه خطل واضطراب، ومخالفة لما قدمناه آنفاً محاربته سيبويه، وتلاه أصحابه عليه، وهو الصواب الذي يشهد التأمل له بصحته»(8).

ثانياً : ويضيف ابن جني إتماماً لنظريته في الأصوات: ستة أحرف مستحسنة على حروف المعجم العربي، وثمانية أحرف فرعية مستقبحة، ولا يصح ذلك عنده إلا بالسمع والمشافهة، حتى تكون حروف المعجم مع الحروف الفرعية المستحسنة خمسة وثلاثين حرفاً، وهما مع الحروف الفرعية المستقبحة ثلاثة وأربعون حرفاً.

ولا معنى لهذه الإضافات من قبله لو لم يكن معنياً بالصوت، فحروف العربية تسعة وعشرون حرفاً، لا شك في هذا، ولكن الحروف المستقبحة والمستحسنة التي أضافها، وإن لم يكن لها وجود في المعجم العربي، إلا أن لها أصواتاً في المخارج عند السامعين، وهو إنما يبحث في الأصوات فأثبتها، فعادت الأصوات في العربية عنده ثلاثة وأربعين صوتاً، وهو إحصاء دقيق، وكشف جديد، وتثبيت بارع.
وقد ذهب ابن جني في هذه الحروف مذهباً فنياً تدل عليه قرائن الأحوال، فهو يعطي استعمالها في مواطنه، وتشخيصها في مواضعه، فالحروف المستحسنة عنده، يؤخذ بها في القرآن وفصيح الكلام، وهي:
«النون الخفيفة، والهمزة المخففة، وألف التفخيم، وألف الإمالة، والشين التي كالجيم، والصاد التي كالزاي . . . والحروف الفرعية المستقبحة، هي فروع غير مستحسنة، لا يؤخذ بها في القرآن ولا في الشعر، ولا تكاد توجد إلا في لغة ضعيفة مرذولة، غير متقبلة. وهي: الكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم التي كالكاف، والجيم التي كالشين، والضاد الضعيفة، والصاد التي كالسين، والطاء التي كالتاء، والظاء التي كالثاء، والباء التي كالميم».


الصوتي: P66-77-9.png

ثالثاً : ويحصر ابن جني مخارج الحروف في ستة عشر مخرجاً، ناظراً إلى موقعها في أجهزة النطق، ومنطلقاً معها في صوتيتها، ويسير ذلك بكل ضبط ودقة وأناقة ، فيقول:
«واعلم أن مخارج هذه الحروف ستة عشر، ثلاثة منها في الحلق:
1 ـ فأولهـا من أسفله وأقصاه، مخرج الهمزة والألف والهاء.
2 ـ ومن وسط الحلق: مخرج العين والحاء.
3 ـ ومما فوق ذلك من أول الفم: مخرج الغين والخـــــــاء.
4 ـ ومما فوق ذلك من أقصى اللسان: مخرج القـــــاف.
5 ـ ومن أسفل من ذلك وأدنى إلى مقدم الفم: مخرج الكاف.
6 ـ ومن وسط اللسان، بينه وبين وسط الحنك الأعلى: مخرج الجيم والشين والياء.
7 ـ ومن أول حافة اللسان وما يليها: مخرج الضاد.
8 ـ ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان، من بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى، مما فويق الضاحــــك والناب والرباعية والثنية: مخرج اللام.
9 ـ ومن طرف اللسان بينه وبين مافويق الثنايا: مخرج النون.
10 ـ ومن مخرج النون، غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلاً لانحرافه إلى اللام: مخرج الراء.
11 ـ ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا: مخرج الطاء والدال والتاء.
12 ـ ومما بين الثنايا وطرف اللسان: مخرج الصاد والزاي والسين.
13 ـ مما بين اللسان وأطراف الثنايا: مخرج الظاء والذال والثاء.
14 ـ ومن باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العلى: مخرج الفاء.
15 ـ وما بين الشفتين، مخرج الباء والميم والواو.

16 ـ ومن الخياشيم، مخرج النون الخفيفة، ويقال الخفيفة أي: الساكنة، فذالك ستة عشر مخرجا»(10).
وحينما يتابع ابن جني مسيرته الصوتية في مخارج هذه الحروف، نجده متمحضاً لها في دقة متناهية بما نعتبره أساساً لما تواضع عليه الأوروبييون باسم الفونولوجي Phonology أي «التشكيل الأصواتي» أو هو النظام الصوتي في تسمية دي سوسير له وهو ما نميل إليه (11).
ومن خلال هذا النظام نضع أيدينا على عدة ظواهر صوتية متميزة في المنهج الصوتي عند ابن جني كشفنا عنها بصورة أولية في عمل أصواتي مستقل سبقت تغطيته(12).
وهنا نحاول فلسفتها بصورة متكاملة مقارنة بظروفها المماثلة في الفكر الصوتي الإنساني، فيما حقق من نظام أصواتي حديث لا يختلف كثيراً عما أبداه ابن جني في الظواهر الآتية:

أولاً: مصدر الصوت ومصطلح المقطع:

يتحدث ابن جني عن مصدر الصوت، وكيفية حدوثه، وطريق خروجه، وعوامل تقاطعه، واختلاف جرسه بحسب اختلاف مقاطعه، وبذلك يعطينا الفروق المميزة بين الأصوات والحروف فيقول:
«إعلم أن الصوت عرض يخرج مع النفس مستطيلاً متصلاً، حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته، فيسمى المقطع أينما عرض له حرفاً، وتختلف أجراس الحروف بحسب مقاطعها، وإذا تفطنت لذلك وجدته على ما ذكرته لك، ألا ترى أنك تبتدىء الصوت من أقصى حلقك، ثم تبلغ به أي المقاطع شئت ، فتجد له جرساً ما، فإن انتقلت عنه راجعاً منه أو متجاوزاً له ثم قطعت، أحسست عند ذلك صدى غير الصدى الأول، وذلك نحو الكاف، فإنك إذا قطعت بها سمعت هنا صدى ما، فإن رجعت إلى القاف سمعت غيره، وإن جزت إلى الجيم سمعت غير ذينك الأولين». . . (13)

هذا العرض في إحداث الصوت كشف لنا عن مصطلح حديث عند الأروبيين هو المقطع، وأقف عنده لما استقطبه هذا الاصطلاح الذي سيره «ابن جني» من مناقشات وممارسات أصواتية متميزة، كان هو الأساس فيها في الدلالة الدقيقة على المعنى المراد دون غيره عند الأصواتيين العالميين.

الأصوات عادة تتجمع في وحدات، تكون تلك الوحدات أكبر من الأصوات بالضرورة، لأنها أطول مسافة صوتية، فتشكل في أكثر من صوت وحدة صوتية معينة، وأهم هذه الوحدات هو المقطع الذي تذوقه ابن جني، فرأى فيه ما يثني الكلام عن استطالته وامتداده تارة، وما تحس به صدى عند تغير الحرف غير الصدى الأول تارة أخرى.
والتعريف البسيط للمقطع هو «تأليف أصواتي بسيط، تتكون منه واحداً أو أكثر من كلمات اللغة، متفق مع إيقاع التنفس الطبيعي، ومع نظام اللغة في صوغ مفرداتها» (14).
وقد جرى تأليف المقطع العربي على البدء بحرف صامت، ويثنى بحركة، ولا يبدأ بحركة إطلاقاً خلافاً للغات الأروبية.
ومن المبادىء الأساسية أن اللغة العربية تبدأ كلماتها بمتحرك واحد، وتختمها إما بحركة، فهو المقطع المفتوح. وإما بصامت، فهو المقطع المقفل. ومن غير الممكن في العربية أن تبدأ الكلمة بمجموعة من الصوامت، أو أن يتخلل الكلمة أكثر من صامتين متجاورين، أو أن تختم الكلمة بمجموعة من الأصوات الصامتة(15).
إذن: حرف صامت + حركة = مقطع ، وهذا هو المقطع القصير، وقد يضاف إلى هذا حرف صامت، أو حركة أخرى، فيكون المقطع طويلاً، لأنه تجاوزالحد الأدنى من التكوين، وهو الحرف والحركة، وتخطاهما إلى ثالث، حركة كان هذا الثالث أم حرفاً.

والعربية عادة تتكون الغالبية العظمى من كلماتها من ثلاثة مقاطع في المادة دون اشتقاقها، ففي الثلاثي خذ كلمة: «ذَهَب» في ثلاثة مقاطع هي: ذَ، هَـ، بَ، وكل مقطع هنا مكوّن من حرف وحركة كما ترى.
قال ابن جني، مستفيداً بما قدمه الخليل (16): «إن الأصول ثلاثة: ثلاثي رباعي وخماسي، فأكثرها استعمالاً، وأعدلها تركيباً الثلاثي، وذلك لأنه: حرف يبتدأ به، وحرف يحشى به، وحرف يوقف عليه. وليس اعتدال الثلاثي لقلة حروفه حسب، لو كان كذلك لكان الثنائي أكثر منه لأنه أقل حروفاً. . . فتمكن الثلاثي إنما هو لقلة حروفه لعمري، ولشيء آخر هو حجز الحشو الذي هو عينه بين فائه ولامه، وذلك لتعادي حاليهما. ألا ترى أن المبتدأ لا يكون إلا متحركاً وأن الموقوف عليه لا يكون إلا ساكناً، فلما تنافرت حالاهما وسطوا العين حاجزاً بينهما لئلا يفجأوا الحسّ بضد ما كان آخذاً فيه»(17).

لقد أدرك الأصواتيون العرب هذا التخطيط المقطعي من ذي قبل فأكدوا عليه حتى في تقطيع الوزن العروضي للشعر عند الخليل في حدود ، وهو ما أثبته ابن جني في برمجيته للمقاطع في تفصيله.
ولقد أفاد الأروبيون من هذا الملحظ إفادة تامة، فقد كان المقطع ـ تبعاً للتفكير التقليدي عند الغربيين ـ يتكون من حركة تعتبر دعامة أو نواة، يحوطها بعض الصوامت Consonnes وعليه بني اسم Consonne أي الذي يصوّت مع شيء آخر، وهو الذي لا يصوت وحده، وأطلق على الحركات اسم مصوتات sonnetes لأنها قادرة على التصويت دون الاعتماد على شيء آخر، ومن هنا كان المفهوم الوظيفي للمقطع، كما جاءت أفكار الحركات والصوامت (18).

وهو نفسه ما تحدث عنه ابن جني، وهو الواقع في الفكر الصوتي عند العرب فالحرف لا ينطق وحده فيشكل صوتاً، إلا بانضمام الحركة إليه، فيتكون بذالك المقطع الصالح للتصويت.
ويرى أتوجسبرسن Otto Jespersen: أن الوحدات الأصواتية تتجمع حول الوحدة الأكثر إسماعاً، بحسب درجة الوضوح السمعي، والمقطع طبقاً لرأيه هو المسافة بين حدين أدنيين من الوضوح السمعي.
إن نظرية جسبرسن من بين ما ارتضاه عالم الأصوات الانجليزي دانيال جونز، فهي وصف جيد للمقطع المثالي، ولكنها لا تقول شيئاً لنا عما هو جوهري في المقطع، ولا تقول لنا: أين الحد بين المقاطع، وهو ما يطلق عليه الحد المقطعي(19).

حقاً لقد كان البنيوي السويسري فرديناند دي سوسير أقرب إلى الفكر العربي في تصوره لحدود المقطع الصوتي على أساس درجة الانفتاح في الأصوات، إذ تتجمع الصوامت حول الحركات تبعاً لدرجة الانفتاح، فالحد المقطعي يوجد ويتوافر حين يكون التنقل من صوت أكثر انغلاقاً إلى صوت أكثر انفتاحاً (20).
إن هذا التوصل إلى حدود المقطع وتعريفاته عند الأروبيين هو الذي ذهب إليه ابن جني، وأضاف إليه ذائقة كل مقطع ، قال: «وسبيلك إذا أردت اعتبار صدى الحروف أن تأتي به ساكناً لا متحركاً، لأن الحركة تقلق الحرف عن موضعه ومستقره، وتجتذبه إلى جهة الحرف التي هي بعضه، ثم تدخل عليه همزة الوصل مكسورة من قبلـــه، لأن الساكن لا يمكن الابتداء به، فتقول: (اك. اق. اج)؛ وكذلك سائر الحروف، إلا أن بعض الحروف أشد حصراً للصوت من بعضها»(21).

وهذا ما نعتبره ابتكاراً لم يسبق إليه، إلا فيما عند الخليل في ذواقة للأصوات: اب، ات، اع، اغ(22).
فإنها مقاطع طويلة مقفلة تكونت من ثلاثة عناصر في كل منها هي الألف والكسرة والحرف: ب، ت، ع، غ .
والمدهش حقاً عند ابن جني أن يهتدي إلى سر المقطع من خلال تصريفه لشؤون الحركات، فهو يعتبر الحركة صوتياً تتبع الحرف، فتجد بهما الصوت يتبع الحرف «وإنما هذا الصويت التابع لهذه الحروف ونحوها ما وقف عليها، لأنك لا تنوي الأخذ في حرف غيرها، فيتمكن الصويت فيظهر؛ فإنما إذا وصلت هذه الحروف ونحوها فإنك لا تحس معها شيئاً من الصوت كما تجده معها إذا وقف عليها»(23).

ثانياً: جهاز الصوت المتحرك:

يتحدث ابن جني عن جهاز الصوت المتحرك أو المتنقل، أو مجموعة الأجهزة الصوتية في الحلق والفم، وسماعنا تلك الأصوات المختلفة، وذلك عند ذائقته للحرف العربي، ووجدانه الاختلاف في أجراسه، والتباين في أصدائه فشبه الحلق بالمزمار، ووصف مخارج الحروف ومدارجها بفتحات هذا المزمار، وتتوجه عناية بمجرى الهواء في الفم عند إحداث الأصوات، ويشبهه بمراوحة الزامر أنامله على خروق الناي لسماع الأصوات المتنوعة والمتشعبة بحسب تغييره لوضع أنامله لدى فتحات المزمار، «فإذا وضع الزامر أنامله على خروق الناي المسنوقة، وراوح بين أنامله، اختلفت الأصوات، وسُـمع لكل منها صوت لايشبه صاحبه، فكذلك إذا قطع الصوت في الحلق والفم، باعتماد على جهات مختلفة، كان سبب استماعنا هذه الأصوات المختلفة» (24).
وكذلك تعقيبه على هذا التمثيل في إحداث الصوت بالنسبة لأوضاع أجهزة الصوت، بتشبيهه ذلك بوتر العود، وكيفيية ضربه ببعض أصباع اليسرى أو جسة في اليمنى مما يحدث أصواتاً مختلفة عند تلقي الأذن لذلك فتتذوق من خلال ذلك جوهر الصوت، كما تتذوقه في أصوات الحروف تبعاً للرقة والصلابة في الوتر، وكذلك الحال بالنسبة للوترين الصوتيين في جهاز النطق الصوتي عند الإنسان، يقول:
«ونظير ذلك أيضاً وتر العود، فإن الضارب إذا ضربه وهو مرسل سمعت له صوتاً، فإن حصر آخر الوتر ببعض أصابع يسراه، أدى صوتاً آخر، فإن أدناها قليلاً، سمعت غير الإثنين، ثم كذلك كلما أدنى إصبعه من أول الوتر غفلاً غير محصور، تجده بالإضافة إلى ما أداه وهو مضغوط محصور، أملس مهتزاً، ويختلف ذلك بقدر قوة الوتر صلابته، وضعفه ورخاوته، فالوتر في هذا التمثيل كالحلق، والخفقة بالمضراب عليه كأول الصوت في أقصى الحلق، جريان الصوت فيه غفلاً غير محصور كجريان الصوت في الألف الساكنة، وما يعترضه من الضغط والحصر بالأصابع كالذي يعرض للصوت في مخارج الحروف من المقاطع، واختلاف الأصوات هناك كاختلافها هنا»(25).
إن ما أبداه ابن جني من تفصيل تمثيلي دقيق لجهاز النطق عند الإنسان وأثر انطلاق الهواء مضغوطاً وغير مضغوط في إحداث الأصوات مختلفة بحسب إرادة الناطق أو الموصوّت: هو ما تبناه علم الأصوات الفيزيولوجي (Physiology ـ Phonnetics) في الحديث عن الجهاز التنفسي الذي يقدم الهواء المناسب لتكييف حدوث الأصوات، وعن الحنجرة باعتبارها مفجرة الطاقة الصوتية، وعن التجاويف فوق المزمارية التي تلعب دور عزف الرنين في إنتاج غالبية الضوضاء المستخدمة في الكلام، وعن دور التنفس في مرحلتي الشهيق والزفير في اتساع القفص الصدري لدى الشهيق، فيدعو الهواء الخارجي بسبب هبوط الحجاب الحاجز، وارتفاع الأضلاع إلى الدخول من فتحتي الأنف أو الفم عبر القصبة الهوائية إلى الرئتين، فتنتج أصواتاً استثنائية مسموعة عند الأطفال، أو في حالتي النشيج والضحك.

أما الزفير فيشتمل على ارتفاع الحجاب الحاجز، وهبوط الأضلاع، ونتيجة لهذا يندفع الهواء بكمية كبيرة من الرئتين، هذا الهواء المندفع بالزفير هو الذي يستخدم في التصويت (26).
إن هذا التحليل الحديث في حدوث الأصوات من وجهة نظر علمية أو تشريحية هو الذي أراده ابن جني في عنايته بمجرى الهواء في عملية إحداث الأصوات، ولكن بأسلوب يتجاوز مناخ بيئته إلى البيئات المعاصرة، وتشبيهه لهذا الجهاز بمراوحة الزامر أنامله في خروق الناي لسماع الأصوات لم يعد اليوم تشبيهاً بل عاد تسمية اصطلاحية في علم الأصوات الفيزيولوجي بالنسبة للتصويت، إذ تطلق كلمة المزمار على الفراغ المثلث المحاط بالحبلين الصوتيين «فالمزمار يكون مفتوحاً في التنفس العادي، كما يكون مفتوحاً خلال النطق ببعض الصوامت المهموسة، أما خلال التصويت فإن المزمار يجب أن ينغلق، على طول الخط الوسيط، فإذا بقي الجزء الموجود بين الغضروفين الهرميين مفتوحاً، بحيث يسمح للهواء بالمرور سمعنا صوتاً مستسراً هو صوت الوشوشة، وإذا كان الإئتلاف كاملاً كان المزمار في وضع الاستعداد للتذبذب. . . ومن الممكن أيضاً أن نقصر التذبذب على جزء من الحبل الصوتي، وبذلك نختصر طول الجسم المتذبذب، وهو ما يعطينا نغمة أكثر حدة. هذه المعطيات الفيزيولوجية تتفق اتفاقاً كاملاً مع القوانين الفيزيقية التي تحكم التردد الخاص باسم التذبذب» (27).

أستطيع القول من خلال النص المتقدم دون مبالغة أو تردد: إن هذا النص يكاد أن يكون ترجمة عصرية لرأي ابن جني في تشبيهه جهاز الصوت لدى التذبذب في إخراج الأصوات بالمزمار، الذي أصبح اليوم نقطة انطلاق الأصوات باعتباره فراغاً يحاط بالوترين الصوتيين، إذ لم يكن هناك بد عند ابن جني من تلمس جهاز ملموس للاستدلال من خلاله على قضية يصعب الاستدلال عليها في عصره دون النظر إلى ذلك الجهاز، أما التشبيه الذي عاد اليوم مظنة لمساحة نطقية قرب الحنجرة، فإنه قد لوّن بصبغة خاضعة لعلم التشريح، وليس عصر ابن جني عصر تشريح، ولا هو بمتخصص فيه مع فرض وجود أوليات الموضوع. لذلك جاءت هذه الترجمة معبرة عن رأيه، أو كاشفة عن تخطيطه تلقائياً، وحاكية لتشبيهه تمثيلياً، والأمر المنتزع من الحس، إذا أقيم عليه الدليل الفعلي، كان مقارباً للأفهام، ومسايراً لحركة التفكير.

لقد كان ابن جني موضوعياً في صفة الجهاز المتنقل في الأصوات مما جعله في عداد المؤسسين.

ثالثاً: أثر المسموعات في تكوين الأصوات:

ويتمرس ابن جني بعض الحقائق الصوتية، ولكنه يعرضها بحذر ويقظة، وقد ينسبها إلى بعض الناس، وما يدرينا فلعلها له لأنه من بعضهم، إلا أن له وجهة نظر قد تمنعه من التصريح بها لأسباب عقيدية، قد لا يسيغها المناخ الاجتماعي في نظره وإن كانت واقعاً.

فهو يتحدث عن صدى الصوت في بداية تكوين اللغة، وأثر المسموعات الصوتية في نشوء الأصوات الإنسانية، وهو ينقل ذلك عن بعضهم، ولكنه يذهب إليه باعتباره مذهباً متقبلاً، ووجهاً صالحاً للتعليل، دعماً لنظريته الصوتية التي يربط بها الأشباه والنظائر، ويحشد لها الدلائل والبراهين، فيقول:

«وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات إنما هو من الأصوات المسموعات، كدوي الريح ، وحنين الرعد، وخرير الماء، ونهيـق الحمار، ونعيق الغــــراب، وصهيــل الفرس، ونـزيب الظبي ونحـو ذلك، ثم ولدت اللغات عن ذلك.
وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل» .

فهو يربط بين الأصوات الإنسانية، وبين أصداء الطبيعة حيناً، وأصوات الكائنات الحيوانية حيناً آخر، مما هو من ظوهر الموجودات في الكون، وبين تكوين اللغات التي نشأت من هذه الأصوات في بداياتها الأولى.
«وقد ذهب إلى هذا الرأي معظم المحدثين من علماء اللغة وعلى رأسهم العلامة وتني Whitney»(29).
وهذا ما يوقفنا على رأي الأروبيين، وتعليلهم الصوتي في أصل نشوء اللغات؛ وأهمها في نظرنا ما يوافق رأي ابن جني المنقول آنفاً، والقائل بامتداد الصوت عند الإنسان عن الصوت الطبيعي للأشياء، أو الصوت الحيواني غير العاقل ، وأن جملة اللغات الإنسانية قد انحدرت من تلك الأصوات.

وهذا لا يمانع أن يكون الله سبحانه وتعالى هو ملهم الأصوات، ومنشىء اللغات، ومعلم الكائنات، فهذا هو الاعتقاد الصحيح الذي لا تشوبه شائبة، فالكلام عن هذا شيء والبحث عن أصل اللغات في انطلاق الأصوات شيء آخر.
على أن هناك رأياً آخر يذهب إلى أن استعمال الإنسان لجهازه الصوتي كان عن طريق التأوهات والشهقات التي صدرت عنه بصورة لا إرادية، وذلك حينما عبر عن آلامه حيناً، وآماله حيناً آخر(30).

رابعاً: فكرة محاكاة الأصوات عند ابن جني:
وقد ذهب ابن جني مذهباً صوتياً فريداً يربط بين الصوت والفعل تارة، وبين الصوت والاسم تارة أخرى، ويبحث علاقة كل منهما بالآخر علاقة حسية ومادية متجسدة، فجرس الألفاظ ووقعها فيما يحدثه من أصوات وأصداء سمعية قد يكون متجانساً ومقارباً لنوعية عنده فيقول:

«فإن كثيرا من هذه اللغة وجدته مضاهياً بأجراس حروفه أصوات الأفعال التي عبر بها عنها، ألا تراهم قالوا: قضم في اليابس ، وخضم في الرطب. وذلك لقوة القاف وضعف الخاء، فجعلـــوا الصــوت الأقــوى للفعـــل الأقـــوى، والصوت الأضعف للفعل الأضعف» (31).

وتجده يلائم بين الصوت اللغوي وعلاقته بصوت الطائر في الاستطالة والقطع ، فالراء مرددة مكررة مستطيلة، وصوت الجندب مثلاً مستطيل، فجعلت له «صرّ» مشددة، وصوت البازي مثلاً متقطع، فقطعت الراء فكانت «صرصر» وذلك ما رآه:

«وكذلك قالوا «صر الجندب» فكرروا الراء لما هناك من استطالة صوته، وقالوا «صرصر البازي» لما هناك من تقطيع صوته»(32).

وفي هذا المجال فإن ابن جني لا يقف عند هذا الحد من النظرية والتطبيق، بل يربط أحياناً بين الأصوات وبين ما سمي به الشيء، نظراً لمشابهته لذلك الصوت المنطلق من التسمية، كالبط لصوته، والواق للصرد لصوته، وغاق للغراب لصوته(33).

وهو بهذا يذهب مذهب من يجد مناسبة ما بين الصوت والمعنى، لا سيما عند البلاغيين في التماس علاقة اللفظ بالمعنى، أو في الدلالة الحسية للفظ بالمعنى، وهو من باب تسمية الشيء باسم صوته، وتلك مقولة صحيحة في جملة من الأبعاد، وحقيقة في كثير من المسميات والتسميات.

وابن جني يؤكّد هذه الحقيقة في المفردات اللغوية، ليعطيها صفة صوتية متمازجة، فالعرب «قد يضيفون إلى اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبر عنها بها ترتيبها، وتقديم ما يضاهي أول الحديث، وتأخير ما يضاهي آخره، وتوسيط ما يضاهي أوسطه، سوقاً للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المطلوب، وذلك كقولهم: بحث، فالباء لغلظها تشبه بصوتها خفقة الكف على الأرض، والحاء لصلحها تشبه مخالب الأسد وبراثن الذئب ونحوهما إذا غارت في الأرض، والثاء للنفث والبث للتراب(34).

ولا غرابة بعد هذا أن نجد صيغتين من صيغ العربية تدلان على الحدث الصوتي من جانبين:
أ ـ فعال، وتستعمل في جزء كبير منها للدلالة على الأصوات والضوضاء مثل: صراخ.
ب ـ فعللة، فإنها تستعمل في العربية في جزء كبير منها للدلالة على حكايات الأصوات مثل:
«الغرغرة» فإن صوتها من جنس تشكيل حروفها لفظياً، وإن معناها صدى من أصداء صوتها.
هذا نفسه هو ما ينجم عن التوليد الصوتي للألفاظ عند الأوروبيين، كما في الكلمة (قهقه) والأصوات فيها دليل من دلائل المعنى، وإذا أضفنا إلى (قهقه) (تمايل) فإننا سنجد في الكلمة الأولى حدث تقليد صوت لصوت آخر، وفي الثانية ترجمت الحركة ترجمة بيانية بوسائل صوتية.
والمصطلح الذي يغلب إطلاقه في حالة الكلمات التي من هذا النوع هو (محاكاة الأصوات Onomatopeid) (35).
هذه جولة قد تكون نافعة فيما أوجده لنا ابن جني من تأصيل صوتي لكثير من الملامح والخصائص والمكتشفات.

ملخص البحث:

إن من يقف بالفعل على إسهامات العلماء العرب المسلمين يعلم علماً لا يداخله شك أنهم سبقوا إلى كثير من دقائقه وحقائقه وأرسوا كثيرا من أحكامه وقوانينه، وكانوا بحق من رواده وأساطينه في منهجية البحث الصوتي وقد عرضنا فيه لتأريخية البحث الصوتي في منهجيته العربية المقارنة بالفكر الأروبي الحديث مما توصل معه البحث إلى أصالة المنهجية الصوتية عند العرب بدءاً من:
1 - الخليل بن أحمد الفراهيدي ومدرسته الصوتية، فرأينا الخليل (ت: 175 هـ) أول من وضع الصوت اللغوي موضع التطبيق الفني في مقدمة العين باعتبارها أول مادة صوتية وصلت إلينا في كتب اللغة، وتتبعنا ذلك في أبرز إفاضات الخليل فوجدناه قد نص على تسمية كل نوع من الأصوات، وقد تذوق الحروف من مخارجها، وحدد كل صنف من أصناف الحروف المعجمية على بنية صوتية متميزة عن سواها، ووضع مخططاً شاملا لمخرج كل صوت انساني مضاف الى حيزه الخاص، وعرض إلى التمايز الصوتي في اللغة، فهو يرى في اللغة امتداداً طبيعياً للأصوات من خلال حصره للمعجم العربي بأبعاد صوتية لم تخطىء ولا مرة واحدة.
2 - ووجدنا سيبويه (ت: 180 هـ) قد تأثر بمدرسة الخليل الصوتية فسار على نهجه في كثير من الأبعاد، واجتهد في القسم الآخر، وكان له قدم سبق في قضايا الإدغام، وتمييزه الدقيق بين صفتي الجهر والهمس، ورأينا ابن دريد ـ وهو امتداد لهما ـ يصدر في الجمهرة عن علم الخليل ومنهجية سيبويه، ويضيف بعض الإشارات الصوتية في ائتلاف الحروف.
3 - ووقفنا عند الفكر الصوتي لأبي الفتح عثمان بن جني (ت : 392 هـ) باعتباره أول من استعمل مصطلحاً فنياً للدلالة على الأصوات سماه: «علم الأصوات» وكان منهجه الصوتي مثار إعجاب للبحث بما صح أن يطلق عليه اسم الفكر الصوتي، لأنه يتمحّض لهذا العلم، ويعرض فيه عصارة تجاربه الصوتية دقيقة منظّمة، ويتفرغ لبحث أصعب المشكلات الصوتية بترتيب حصيف في بحوث قيّمة عرضت لجوهر الصوت في كتابيه: سر صناعة الاعراب والخصائص.
وكان منهجه يضم تتبع الحروف من مخارجها وترتيبها على مقاطع، وإضافته ستة أحرف مستحسنة بأصواتها إلى حروف المعجم، وثمانية أحرف فرعية مستقبحة بأصواتها، ويحصر مخارج الحروف في ستة عشر مخرجاً تشريحياً منظّراً له بأمثلته، فكان فكر ابن جني الصوتي قد حقق نظاماً أصواتياً قارنّاه بالفكر الصوتي العالمي من خلال هذه الظواهر:
أ ـ مصدر الصوت ومصطلح المقطع.
ب ـ جهاز الصوت المتنقل.
جـ ـ أثر المسموعات في تكوين الأصوات.
د ـ محاكاة الأصوات.
وكان ما قدمه ابن جني تأصيلاً صوتياً لكثير من الملامح والخصائص المكتشفة في ضوء تقدم العلم الفيزولوجي الحديث
.


منقول .

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك




- hfk [kd ,hg]vs hgw,jd:






آخر تعديل زرياب يوم 09-28-2013 في 08:40 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الصوتي:, والدرس


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
جوجل تقوم بإطلاق أولي تطبيقات آندرويد للتحكم الصوتي نيروز أطلال الأندرويد والهواتف الذكية وتطبيقاتها . ( Ruins of smart phones, communication and 0 04-01-2012 05:36 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية
Add Ur Link
منتديات همس الأطلال دليل مواقع شبكة ومنتديات همس الأطلال مركز تحميل همس الأطلال . إسلاميات
ألعاب همس الأطلال ضع إعلانك هنا . ضع إعلانك هنا . ضع إعلانك هنا .

flagcounter


الساعة الآن 01:03 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
.:: تركيب وتطوير مؤسسة نظام العرب المحدودة ::.
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع الحقوق محفوظة لـشبكة ومنتديات همس الأطلال