الإخوة الأعضاء الكرام : الرجاء في حال وضع صور في المنتدى أن يكون رفعها على مركز الرفع الخاص بالمنتدى وهو موجود في صندوق الموضوع المطور أو ضمن الإعلانات النصية الموجودة أسفل المنتدى ، لأن ذلك يسهم في سرعة المنتدى وأدائه ، وشكراً لكم على كرم تعاونكم || كن بلا حدود ولا تكن بلا قيود .|| إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا . || قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك . || الإرهاب .. لا دين له || |





أطلال التاريخ العربي الإسلامي المعاصر . يهتم بتاريخ الأمة العربية من سقوط الدولة العثمانية وحتى عصرنا الحاضر .

الإهداءات

دعوات الإصلاح في المنطقة العربية

فقدت الحضارة الإسلامية جذوة اتقادها بعد اجتياح المغول بغداد سنة 656ه-1258م. فانحصرت الأنشطة الفكرية غالباً في آسار التكرار والاجترار فهي شروحٌ وذيولٌ لشروح وشروحٌ لذيول. فانعدم الإبداع وسيطر الجمود والركود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 02-05-2013
الأسد الرهيص غير متواجد حالياً
Qatar     Male
لوني المفضل Coral
 رقم العضوية : 204
 تاريخ التسجيل : Apr 2011
 فترة الأقامة : 4764 يوم
 أخر زيارة : 06-09-2019 (04:20 PM)
 الإقامة : المنامه
 المشاركات : 533 [ + ]
 التقييم : 13
 معدل التقييم : الأسد الرهيص is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي دعوات الإصلاح في المنطقة العربية




فقدت الحضارة الإسلامية جذوة اتقادها بعد اجتياح المغول بغداد سنة 656ه-1258م. فانحصرت الأنشطة الفكرية غالباً في آسار التكرار والاجترار فهي شروحٌ وذيولٌ لشروح وشروحٌ لذيول. فانعدم الإبداع وسيطر الجمود والركود ورزحت المنطقة تحت أرزاء الجهل والتخلف العلمي والتقني. وعاش السكان في ظل أوضاعٍ اقتصادية وصحية متردية. ولم تغب تلك الحال عن ملاحظة أعين بعض ذوي الرأي الذين أخذوا يطيلون التفكير في كيفية معالجتها. وقد شحذ تفكيرهم التأثير الأوروبي عن طريقين أولهما حين تعرضت كثير من الأقطار العربية والإسلامية للغزو الإستعماري، فأخذ ذوو الرأي يدعون لبناء قوةٍ حديثة تعادل قوة الأوروبيين وتستطيع التصدي لعدوانهم على العرب والمسلمين. وثانيهما اطلاع أولي الرأي أولئك على ما لدى الأوروبيين من أوجه تقدمٍ علمي وتقني وتنظيمي وشعورهم بضرورة الإقتباس منها والنسج على منوالها باعتبار ذلك وسيلة للخروج من هوة الضعف والتخلف.

ومع اتفاق أكثر ذوي الرأي والمتنورين من أبناء النخبة السياسية في المنطقة على ضرورة الإصلاح، اختلفت آراؤهم حول سبل الإصلاح المنشود. ويمكن حصر الآراء المختلفة ضمن نطاق تيارين رئيسيين هما تيار الإصلاح الديني العقيدي الذي يرى أن الدين هو مفتاح الشخصية العربية ـ الإسلامية، ولذلك فإن إصلاح العقيدة هو الخطوة الأولى في عملية الإصلاح الشامل. أما التيار الآخر فيمكن تسميته بالتيار التحديثي ـ المادي الذي يرى أن سبيل إصلاح أحوال الأمة وإنقاذها من الضعف والتخلف يتم باستيحاء التجربة الغربية في ميادين العلوم والتقنية والنظم.

دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب السلفية:
ولِد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في نجد سنة 1703م، وتأثر بالظروف السائدة في موطنه حيث لا حكومة مركزية واحدة، بل كانت السلطة السياسية موزعة بين شيوخ القبائل وحكام المدن والقرى الذين كَثُرَت الصراعات بينهم، ففُقِد الأمن وعمّ الإضطراب. وكان السكان يعيشون خلال ذلك كله في فقرٍ مدقع وجهلٍ كبير، فأثّر ذلك على صفاء عقيدتهم الدينية وانتشرت بينهم ممارساتٍ وطقوسٍ لا تنسجم مع جوهر الدين الإسلامي. لاحظ محمد بن عبدالوهاب ذلك وهو يتلقى العلم في بلدته، ولاحظه أيضاً لدى سكان المناطق الأخرى حين رحل لطلب العلم في الحرمين الشريفين والأحساء والبصرة. فمكنته الحصيلة العملية التي تلقاها والتجارب العلمية التي مر بها والملاحظات التي اختزنها في ذهنه من بلورة فكرةٍ إصلاحية ملخصها ضرورة إعادة المسلمين إلى العقيدة الإسلامية النقية بتهذيبها من كافة الممارسات التي لم يكن السلف الصالح يألفونها، ومن هنا جاء وصف دعوته بـ”السلفية“.

أخذ الشيخ محمد بن عبدالوهاب يدعو قومه لتقبل فكرته تلك، ولكنه لاقى إعراضاً كبيراً من معاصريه حكاماً ومحكومين. وأوصلته تلك المعارضة إلى قناعة بعدم إمكان تطبيق دعوته إلا بفرضها على الناس فرضاً من خلال حاكمٍ سياسي يتبناها. وأصبح همه إيجاد مثل ذلك الحاكم حتى وُفِقَ للتحالف مع حاكم ”الدرعية“ محمد بن سعود بن مقرن سنة 1744م. وانصرف محمد بن سعود وخلفاؤه من بعده لنشر أفكار الدعوة ومد سيطرتهم عنوة على المناطق المجاورة لهم، وحققوا في ذلك نجاحاً كبيراً. لكن ذلك النجاح قادهم للصدام مع العثمانيين، إذ أخذت قوات الدولة السعودية الفتية تغادر تخوم نجد و تغير على ما جاورها من ولاياتٍ عثمانية في العراق والشام والحجاز مما جعل السلطات العثمانية حريصةً على كبح ذلك الخطر. والحقيقة أن الصدام كان محتماً بين دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب والدولة العثمانية. إذ أن الشيخ بدعوته إلى استيحاء التجربة السلفية لا يعني الإقتصار على الجوانب العقيدية فقط، بل يعني ضمناً ضرورة التقيّد بالتجربة السياسية الإسلامية الأولى، وهي تتناقض في أمورٍ كثيرة مع أساليب الحكم العثماني. كما أن دعوة الشيخ لمحاربة البدع تتضمن رفضاً للممارسات الصوفية التي كان السلاطين العثمانيون يحلونها المقام الأعلى في تعبدهم وتدينهم.

لذلك كله حاولت السلطات العثمانية إخماد تلك الدعوة عن طريق حملاتٍ أُرسِلَت من بغداد في آواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. ولكنها أخفقت في الوصول إلى نتيجة، فحوّل السلطان العثماني وجهه صوب حاكم مصر محمد علي باشا، ودعاه للقيام بتلك المهمة. ولاءمت تلك الدعوة طموحات محمد علي فأرسل سلسلة حملاتٍ حربية نحو شبه الجزيرة العربية منذ سنة 1811م إلى أن نجحت آخر حملة بقيادة ابنه إبراهيم باشا من الوصول إلى الدرعية عاصمة الدولة السعودية فدكتها سنة 1818م وبذلك قضت على ما غدا يُعرَف بـ”الدولة السعودية الأولى“. ولكن القضاء على تلك الدولة لم يقض على أفكار الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي ظلّت حية في نفوس أتباعه الذين نجحوا في إعادة بناء الدولة بعد سنين قليلة. ولا زالت أفكاره السلفية فاعلة في أذهان وأنشطة قطاعاتٍ مهمة من سكان المنطقة العربية حتى يومنا هذا.


الحركة السنوسية في شمال أفريقيا
ومن الحركات الإصلاحية الدينية المهمة التي ظهرت في المنطقة العربية خلال القرن التاسع عشر الحركة التي أسسها محمد بن علي السنوسي. وُلِد السنوسي في مدينة مستغانم في الجزائر سنة 1787م، وبعد أن تلقى العلم في مظانّه في شمال أفريقيا انتقل إلى الحجاز لأداء فريضة الحج وتلقي المزيد من العلم، وأقام هناك فترةً طويلة مكّنته من التعرف عن قرب على أفكار الشيخ محمد بن عبدالوهاب فأدخلها في مباديء دعوته الإصلاحية التي تبلورت بعد عودته إلى شمال أفريقا، حيث اتخذ ليبيا مستقراً له. وقد اعتمد السنوسي الزوايا إطاراً تنظيمياً لدعوته. والزاوية عبارة عن مجمع يقام على الطرق الصحراوية المهمة وعند آبار المياه. ويضم المجمع مسجداً ومدرسة ومأوى للفقراء ومضافة للزوار وعابري السبيل ومساكن لأبناء الزاوية، ومزرعةً يتم العمل فيها جماعياً وتخصص إيراداتها للإنفاق على احتياجات الزاوية. ومهمة الزاوية هي نشر العلم وزرع العقيدة الإسلامية الصحيحة في النفوس والتدريب على أعمال القتال والفروسية. وقد تزايدت أعداد تلك الزوايا بسرعة فغدت 97 زاوية في ليبيا و47 زاوية في مصر و17 زاوية في السودان و25 زاوية في الحجاز. وقد لعبت تلك الزوايا دوراً مهماً في نشر الدين الإسلامي في أفريقيا جنوب الصحراء، كما تحولت إلى بؤرٍ تقود الجهاد ضد المستعمرين الأوروبيين، وخاصةً في ليبيا حيث لعبت الزوايا السنوسية دوراً مشرفاً في التصدي للإحتلال الإيطالي.

جمال الدين الأفغاني وحركة الجامعة الإسلامية
من أبرز شخصيات المصلحين الذين لعبوا دوراً بارزاً في نشر فكرة الإصلاح في المنطقة خلال القرن التاسع عشر. وقد وُلِد سنة 1839م، ولازال الإيرانيون والأفغان يتنازعونه حتى الآن. ولكنه رغم تفضيله حمل لقب ”الأفغاني“ إلا أنه كان يعتبر نفسه مواطناً ”مسلماً“ لا ينتمي إلى قطرٍ دون غيره، وكان في أي بلدٍ مسلمٍ يحل فيه يعتبر نفسه واحداً من أبنائه ويتصرف على ذلك الأساس مما كان يجره إلى احتكاكات مع السلطات الحاكمة في تلك البلدان. تلقى الأفغاني علومه في أفغانستان والهند وفارس والعراق، وجال جولةً واسعة في أغلب الأقطار الإسلامية، واطلع عن كثب على حال المسلمين السيئة حيثما مر. فأعمل فكره في تشخيص الأسباب التي أدت إلى تلك الحال، وتوصل إلى أن تلك الأسباب ثلاثة هي: فساد العقيدة، وانعدام الوحدة، والتخلف العلمي والتقني. ولم يقف الأفغاني عند حد تشخيص العلل، بل وصف العلاج أيضاً، وهو يقوم على ثلاثة أركان:
1. إصلاحات دينية، ينقّي المسلمون بمقتضاها عقيدتهم السمحة من كل الخزعبلات والخرافات التي لا تمت إلى جوهر الدين بصلة. وتطلق حرية الإجتهاد بالشروط المعروفة فقهياً، وبذلك يستطيع فقهاء الأمة استنباط الأحكام الشرعية لقضايا الحياة العصرية التي أخذت تواجه المسلمين ولا تجد في اجتهادات الفقهاء السابقين حلاً لها.

2. إصلاحات سياسية، وهي تتضمن السعي لاتحاد المسلمين ضمن إطار ”الجامعة الإسلامية“. وقد تدرج تحديده لمعنى تلك الجامعة عبر مراحل تطوره الفكري. إذ كانت الجامعة تعني في أول الأمر لديه خلافة واحدة يخضع لها جميع المسلمين في كافة أقطارهم. ولكنه أدرك بعد حين الصعوبات العملية الكبيرة التي تحول دون تحقيق ذلك الهدف، فأخذ يدعو لأن تكون الجامعة ”تنسيقاً“ بين سياسات الحكام وتعاوناً بين دولهم. ولكنه اشترط أن يطبّق كلٌ منهم في دولته مبدأ الشورى، لأن حكم الإستبداد مناقض تمام المناقضة لمباديء الدين الإسلامي. فإذا طبّق الحكام المسلمون الشورى وتعاونوا فيما بينهم تعاوناً صادقاً تحوّل العالم الإسلامي إلى كتلة سياسية قوية تستطيع الدفاع عن نفسها بوجه الأطماع الأوروبية التي تتهددها من كل جانب.
3. إصلاحات تعليمية تمكّن المسلمين من دراسة العلوم الحديثة وتحثّهم على الإسهام الواسع في ميدان الإختراعات والتطوير التقني. وبدون تلك الإصلاحات سيظل ميدان العلم والإبتكار حكراً على الأوروبيين فيزدادون قوة بينما يزداد المسلمون ضعفاً.

جاب الأفغاني كثيراً من الأقطار داعياً لفكرته تلك واتصل بأبرز حكام المسلمين لعله يجد بينهم من يتبناها ويضعها موضع التطبيق، ولكن حظه مع أولئك الحكام لم يكن كبيراً لتناقض أساليبهم الفردية في الحكم مع دعواه إلى الشورى من ناحية ولتخوفهم من قوة شخصيته وشدة تأثيره في وسطه حيثما حل. وقد استقر في مصر بين سنتي 1871 و1879م، وكانت تلك السنين من أخصب سنوات عمره، حيث التف من حوله طلاب الإصلاح. وخدم موقع مصر المتوسط في المنطقة العربية ونشاطها الثقافي الكبير نسبياً في نشر فكرته عن الإصلاح. ولكن تزايد المريدين من حوله أثار مخاوف السلطات المصرية فقامت بإيحاءٍ من الإنكليز بنفيه إلى الهند. وبعد أن مكث فترةً هناك انتقل إلى لندن ومنها إلى باريس حيث التحق به تلميذه المصري الأقرب ”محمد عبده“. وتعاون الرجلان في إصدار صحيفةٍ ناطقة باللغة العربية هي ”العروة الوثقى“ للترويج لأفكار الأفغاني الإصلاحية.ولم تعمّر تلك الصحيفة طويلاً إذ أصدرت ثمانية عشر عدداً فقط بين مارس وأكتوبر 1884م، ثم أغْلِقَت لعدم توفر الأموال الكافية للإستمرار في إصدارها. ومع ذلك كان لتلك الصحف أثرٌ كبير في نشر فكرة الإصلاح على امتداد المنطقة، إذ كانت نسخٌ منها تُرْسَل عن طريق البريد لبعض أفراد النخب السياسية والفكرية في المدن العربية الكبيرة، وتغدو مقالاتها موضوعاً للحوار والنقاش بين أبناء تلك النخب. ومن أجل دعم دعوته أسس الأفغاني جمعية سرية سميّت ”جمعية العروة الوثقى“ وكان لها فروعٌ في بعض مدن المنطقة العربية، وكان هدفها الترويج سراً لفكرة الإصلاح.

أدرك السلطان العثماني عبدالحميد الثاني (1876-1909م) أهمية شخص الأفغاني ومدى تجاوب النخب الإسلامية معه. فأراد استقطابه واتخاذ فكرة الجامعة الإسلامية وسيلة لتقوية موقفه في صراعه مع الدول الأوروبية لأنها ستحشد المسلمين حتى خارج نطاق الدولة العثمانية خلف ظهره. فأقنع الأفغاني بالحضور إلى اسطنبول واعداً إياه بالتعاون من أجل إخراج فكرة الجامعة إلى حيز التطبيق. ولكن تلك الوعود تبخرت بعد استقرار الأفغاني في اسطنبول، حيث أصبح شبه حبيسٍ في القصر الذي خصصه له السلطان الذي أخذت حاشيته تخوفه من طموحات الأفغاني وخططه السرية. وكان الصدام حتمياً بين حاكمٍ ميالٍ للإنفراد في ممارسة السلطة ومفكرٍ شديد الحماس لمبدأ الشورى. وهكذا ظل الأفغاني تحت الرقابة في اسطنبول حتى وفاته سنة 1897م. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الدول الإستعمارية وخاصةً بريطانيا وفرنسا كانت تناويء أشد المناوأة فكرته عن الجامعة الإسلامية لأنها تراها معيقة لمخططاتها الإستعمارية في المنطقة.

ولم تمت أفكار الأفغاني الإصلاحية بموته، بل ظلت حيةً في نفوس تلاميذه ومريديه، وفي مقدمتهم الشيخ محمد عبده (1849-1905م). فقد ظل الشيخ يدعو إلى الإصلاح ولكنه ركّز على الإصلاح التعليمي لأنه يراه المفتاح الصحيح لعملية الإصلاح في المنطقة. كما أنه كان بطبعه ينفر من العمل السياسي على عكس أستاذه الأفغاني. وقد قام الشيخ محمد عبده بعمليات إصلاحٍ واسعة في مناهج المدارس الدينية في مصر، خاصةً بعد أن أصبح مفتياً لمصر. وكان من تلاميذ الأفغاني وعبده البارزين الشيخ محمد رشيد رضا (1865-1935م) الذي نزح من الشام واستقر في القاهرة، وأصدر مجلة المنار كي تكون لسان حال المنادين بالإصلاح، مازجةً بين أفكار الشيخ محمد بن عبدالوهاب والأفغاني وعبده. وظلت تلك المجلة طوال مدة صدورها (1900-1930م) نقطة جذب لكل المؤمنين بتلك الأفكار الإصلاحية حتى يمكن تسميتها ”مدرسة المنار“. وفي أحضان هذه المدرسة وُلِدَت فكرة تنظيم ”الأخوان المسلمين“ التي بدأها الشيخ حسن البنا. وقد تحول الإخوان المسلمون إلى قوةٍ لا تزال تمارس تأثيراً واضحاً في مجرى الأحداث في المنطقة العربية.

محاولات التحديث المادي في المنطقة العربية
المقصود بالتحديث هو إعادة بناء مؤسسات الدولة والمجتمع المختلفة على أساس جديد باستيحاء الأنماط المتبعة في الدول الغربية المتقدمة. وقد نمت بذرة التحديث في الدولة العثمانية أول الأمر، حين أدرك بعض كبار الساسة (سلاطين وصدور عظام) ضرورة انتشال الدولة من مستنقع الضعف والتخلف الذي كانت تغوص فيه تدريجياً. واعتقدوا أن بوابة الإصلاح هي إعادة بناء الجيش العثماني على النمط الغربي ليتبع أساليب الجيوش الأوروبية القوية في التنظيم والتدريب والتسليح. إذ كان الجيش هو العمود الفقري للدولة العثمانية من ناحية، كما أن الجيش القديم (الإنكشارية) تخطاه الزمن فكثُرَت هزائمه في ميادين المعارك الخارجية وتفاقمت فوضاه في الداخل من ناحية أخرى.
يُعتَبَر السلطان العثماني أحمد الثالث (1703-1730م) أول من سعى لإصلاح الجيش العثماني على ذلك الأساس. ولم تكن تلك العملية سهلة ميسرة، إذ ووجِهَت بمقاومةٍ عنيدة من قِبَل الإنكشارية الذين كانوا يدركون أن المضي قدماً بتلك العملية يعني إنهاء وجودهم وما يتمتعون به من نفوذ وامتيازات. وقد وجدت معارضة الإنكشارية دعماً من بعض مدعي العلم الديني وخاصةً من أتباع الطريقة الصوفية البكتاشية إذ وفروا لها الغطاء الشرعي اللازم حين رفعوا حجة ”أن التشبّه بالكفار حرام“ زاعمين أن إعادة تشكيل الجيش العثماني على النمط الأوروبي تشبّه بالكفار ولذلك فهو محرمٌ شرعاً. ومع تلك المعارضة استمرت خطة الإصلاح تسير بخطى وئيدة، تسارعت في عهد السلطان سليم الثالث (1789-1807م). إذ أخذ يشكل وحداتٍ عسكرية جديدة إلى جانب الإنكشارية وحرص أن تتلقى تلك الوحدات تدريباً حديثاً على يد مستشارين استقدمهم من أوروبا، كما سعى لدعم تسليحها بإقامة مصانع لإنتاج السلاح الحديث. ولم يعجب ذلك كله زعماء الإنكشارية فأخذوا يتربصون به، وحصلوا على فتوى من ”شيخ الإسلام“ تجيز خلعه فخُلِعَ وقُتِلَ سنة 1807م.

استقرت الأمور بعض الشيء في العاصمة اسطنبول للسلطان محمود الثاني (1808-1839م) فاتبع سياسةً طويلة النفس لتصفية الإنكشارية حتى تمكن بالفعل من استئصالهم تماماً سنة 1826م. وانفتح عندها أمامه طريق الإصلاح. فتوسع في إنشاء وحدات الجيش الجديد وجَدّ في تنظيمها وتدريبها وتسليحها على النمط الأوروبي. وقد أدرك السلطان أن عملية إصلاح الجيش لا يمكن أن تكون منعزلة عما حولها من جوانب الحياة الأخرى. فالجيش الحديث يتطلب أسلحة حديثة لا بد من إقامة المصانع لإنتاجها، وذلك يتطلب إدخال تعديلاتٍ واسعة على النظم الإقتصادية والإدارية المطبقة في الدولة. كما أن الجيش الحديث يتطلب ضباطاً مؤهلين، كما تتطلب الصناعة مهندسين وفنيين. ويرتب على ذلك كله ضرورة القيام بنهضةٍ تعليمية واسعة في مختلف مراحل التعليم. وهكذا فأن الإصلاح منظومة متكاملة يستلزم قيام جزءٍ منها التوسع إلى أجزاءٍ أخرى.

وكانت لتلك الحركة الإصلاحية التحديثية الجارية في اسطنبول أصداء في المنطقة العربية. فقد قام حاكم مصر محمد علي باشا (1805-1848م) بإنشاء جيشٍ حديث دعمه بإنشاء بعض الصناعات الحربية. كما اهتم بالتعليم فأكثر من فتح المدارس والكليات وأرسل البعوث للدراسة في أوروبا. وقام الحاكم المملوكي الأخير في العراق داود باشا (1817-1831م) بإدخال بعض الإصلاحات كان أهمها إلغاء الإنكشارية وتأسيس وحداتٍ عسكرية حديثة. واتسع نطاق الإصلاحات التحديثية في العراق زمن ولاية مدحت باشا (1869-1871م) وشملت المجالات الإدارية والإقتصادية والتعليمية. وفي تونس سعى الباي حموده باشا (1783-1814م) لتحديث الجيش فألغى الإنكشارية سنة 1811م، وأجرى إصلاحاتٍ أخرى في الجوانب المدنية. واتسع نطاق الإصلاح في تونس زمن وزارة خيرالدين باشا (1873-1877). إذ تعرّف عن كثب على ما بلغته أوروبا من تقدم في المجالات المختلفة، وحلم بأن تحتذي تونس حذوها. وألّف كتاباً أسماه ”أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك“ دعا فيه إلى إجراء إصلاحاتٍ واسعة في مختلف المجالات. وقد أتيحت له الفرصة لوضع دعوته تلك موضع التطبيق حين تولى الوزارة. فأجرى سلسلةً من الإصلاحات التعليمية والإدارية والإقتصادية.

ويلاحظ هنا أن الدعوات الإصلاحية التحديثية في المنطقة العربية سبقت زمنياً مثيلتها في اليابان. ولكنها تعثرت ولم تستطع الوصول إلى ما وصل إليه اليابانيون. ولعل من عوامل ذلك الإخفاق أن دعوة الإصلاح ظلت دعوةً نخبوية ولم تتحول إلى تيارٍ شعبيٍ واسع، بل على العكس ظلت فئاتٌ واسعة من السكان متحفظةً لسببٍ أو لآخر على تلك الدعوة. ومنها أن تلك الدعوة لم تصبح سياسةً متبناة من قِبَل الدولة وقائمةً على أساس خطةٍ منهجيةٍ محددة الأهداف والوسائل. بل ظلت اجتهاداتٌ شخصية تختلف من حاكمٍ إلى حاكمٍ آخر. ولا يجب هنا إغفال الدور الأوروبي المعرقل، إذ عوّق الأوروبيون محاولات الإصلاح التحديثي في المنطقة العربية إما بضربها بشكلٍ مباشر مثلما حدث في تجربة محمد علي باشا، أو بعرقلتها بشكلٍ غير مباشر عن طريق إشغال الأقطار العربية واستنزاف مواردها بالإستعمار ومحاولة التحرر من نيره الثقيل.

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك




]u,hj hgYwghp td hglk'rm hguvfdm





رد مع اقتباس
قديم 02-05-2013   #2


الصورة الرمزية نيروز
نيروز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 6
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 07-01-2014 (09:19 AM)
 المشاركات : 13,261 [ + ]
 التقييم :  36
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Dimgray
افتراضي رد: دعوات الإصلاح في المنطقة العربية



الله يعطيك الف عافيه ,
سلمت يداك .
لك التقدير.


 


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
المنطقة, العربية, الإصلاح, دعوات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أبرز الأحداث السياسية في المنطقة العربية خلال القرنين 16 و 17 الأسد الرهيص أطلال التاريخ العربي الإسلامي المعاصر . 1 02-05-2013 12:30 AM
قيام الدول شبه المستقلة في المنطقة العربية خلال القرن الثامن عشر: الأسد الرهيص أطلال التاريخ العربي الإسلامي المعاصر . 1 02-05-2013 12:29 AM
المراكز الإدارية التابعة لإمارة المنطقة الأسد الرهيص تاريخ المخلاف السليماني والقبائل العربية والأنساب والعادات والتقاليد 6 11-10-2012 01:59 AM
جمعة المنطقة العازلة دلع السعودية فضاءات وآفاق بلا حدود . 0 12-02-2011 04:33 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية
Add Ur Link
منتديات همس الأطلال دليل مواقع شبكة ومنتديات همس الأطلال مركز تحميل همس الأطلال . إسلاميات
ألعاب همس الأطلال ضع إعلانك هنا . ضع إعلانك هنا . ضع إعلانك هنا .

flagcounter


الساعة الآن 04:27 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
.:: تركيب وتطوير مؤسسة نظام العرب المحدودة ::.
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع الحقوق محفوظة لـشبكة ومنتديات همس الأطلال