الإلياذة Iliad ملحمة منسوبة إلى الشاعر اليوناني هوميروس[ر] Homer الذي عاش تقديرياً في القرن الثامن ق.م. وهي مؤلفة من خمسة عشر ألف بيت على الوزن السداسي hexametron الذي تتكون تفعيلته من ست حركات موزعة على ثلاثة مقاطع. ويرجح أن ظهورها يعود إلى منتصف القرن الثامن ق.م، وهي تنقسم كالأوديسة[ر] Odessey المنسوبة إلى الشاعر نفسه إلى أربعة وعشرين جزءاً، تُعَالج فيها حادثة واحدة من السنة العاشرة للحرب بين الحلف اليوناني والحلف الطروادي، وتمتد هذه الحادثة طوال واحد وخمسين يوماً. وترتبط بغضب بطل أبطال اليونان أخيل Achilles لخطأ ارتكبه قائد الحلف اليوناني أغاممنون Agamemnon بحق كاهن أبولون Apollon الطروادي فسلبه ابنته بريسئيس Briseis وجعلها حظيته، مما دفع الكاهن إلى اللجوء إلى الرب أبولون المنحاز أصلاً إلى جانب الطرواديين، فاستجاب له بأن سلّط وباء على اليونانيين أجبر أغاممنون على الإذعان لضغوط أخيل وأتباعه بإعادة الفتاة إلى أبيها، شريطة أن يتنازل أخيل لأغاممنون عن حظيته بريسئيس. غضب أخيل لهذه الإهانة المشينة، لكنه امتثل للظرف القاهر ثم اعتصم في خيمته ممتنعاً عن المشاركة في القتال، فاشتكت أمه الربة ثيتس Thetis إلى أبيها زيوس Zeus كي ينتقم لابنها، فوافق وضلل أغاممنون بحلم جعله يهاجم الطرواديين من دون نصرة أخيل آملاً بإسقاط طروادة Troy بجهوده، لكنه هزم هزيمة ماحقة أجبرته على الانسحاب والتفاوض مع أخيل بإعادة حظيته إليه مع تعويض مناسب. لكن رفض أخيل دفع أغاممنون إلى التخلي عن مواصلة الحرب، الأمر الذي عارضه القائدان ديوميدس Diomedes وأوديسيوس (أوليس) Odysseus فهاجما ليلاً جيش طراقية (تراقية) Thracian القادم لنجدة طروادة، فقتلا قائده ريسوس Rhesus وحققا نصراً سريعاً. واضطر أغاممنون إلى متابعة الحرب عند الصباح مباشرة، لكنه جُرح، فانسحب اليونانيون مجدداً إلى خطوط الدفاع. ومع أن الرَّبة هيرا Hera زوجة زيوس قد وقفت إلى جانب اليونانيين وأغوت زوجها لإلهائه عن متابعة مجريات المعارك فقد هاجم هكتور Hector قائد الطرواديين معسكرات اليونانيين، وكاد أن يحرق سفنهم. عندئذ سمح أخيل لصديقه العزيز باتروكلُس Patroclus بالتنكر بزيه واستخدام أسلحته لمهاجمة الطرواديين، وكاد باتروكلس أن ينتصر ويدخل طروادة لولا تدخل أبولون، فقضى هكتور على باتروكلُس واستولى منه على أسلحة أخيل، وبهذا تصل الملحمة إلى ذروتها ومنعطفها. فموت باتروكلس أحزن أخيل وحول مجرى غضبه، إضافة إلى تدخل الربة أثينه Athene التي حثته على التخلي عن موقفه والانخراط في المعركة. كما أقنعت أمه ثيتس إله الحدادة هِفايستوس Hephaestus بصنع أسلحة جديدة لأخيل الذي ما إن أطلق صيحة الحرب في معسكر اليونانيين حتى اندفعوا وراءه، فاكتسح صفوف الطرواديين وقتل قائدهم هكتور، مع علمه بالنبوءات القائلة بأنه لاحق به لا محالة إن قتله، ثم مثَّل بجثته بوحشية وجرها وراءه بعربته حول أسوار المدينة وأعادها إلى خيمته ريثما ينتهي من طقوس دفن باتروكلس. وبعد اثني عشر يوماً، وبناء على مشورة الآلهة قام برياموس Piriamos ملك طروادة والد هكتور بزيارة القائد المنتصر أخيل واستعطفه كي يعيد له جثة ابنه ليدفنها بما يليق به كبطل دافع عن وطنه. واستجاب أخيل لتوسلات العجوز برياموس نزولاً عند رغبة أمه ثيتس، خاصة بعد أن لاحظ أن الآلهة قد حفظت جثة هكتور من التعفن.
يرى الباحثون في تاريخ الأدب اليوناني أن هوميروس قد استقى الكثير من مادة ملحمته هذه من التراث الشفوي السابق الذي صوَّر شعراً قصص أبطال حرب طروادة ومصائرهم، لكنه أعاد صياغته بأسلوبه المتميز وأسبغ عليه وحدة الموضوع التي جعلت
الإلياذة ملحمة متماسكة البنيان تعكس الماضي لتخاطب الحاضر، وأن أسلوبه ينبع من روح عصره وواقعه المغاير لطبيعة العصر المسيني (الموكيني) Mycenian الذي جرت فيه حوادث حرب طروادة نحو سنة 1200ق.م بحسب نتائج حفريات عالم الآثار الألماني هاينريش شليمان Heinrich Schliemann.
تتوزع شخصيات ملحمة
الإلياذة من حيث نسبها وانتمائها الاجتماعي بين الآلهة والملوك والأبطال من أشباه الآلهة، من الجنسين. وتنحصر قضاياها في إطار المجد والبطولة والمتعة، كذلك في التداخل الملحوظ والتأثير المتبادل بين عالم الآلهة وعالم البشر. لقد عظَّم هوميروس من شأن شخصياته وأسهب في تصوير حياتها وعواطفها وانفعالاتها ونزواتها بما ينسجم مع روح عصرها، من دون أن ينسى الجانب الإنساني المرهف، كمشهد الوداع بين هكتور وزوجته أندروماخِه Andromache ومشهد بكاء هيلينه Helene اليونانية عند مقتل هكتور الطروادي ومشهد ركوع الملك العجوز برياموس عند قدمي أخيل. ومع ذلك فقد منع حاكم مدينة سيكيون Sicyon اليونانية إنشاد ملاحم هوميروس في منتصف القرن السابع ق.م لأنها تمجد أخلاق النبلاء الأرستقراطيين ونظام حكمهم، وتُظهر الآلهة الخالدة شبيهة بالبشر الفانين في سلوكها ونزواتها. ولم يتم تدوين ملاحم هوميروس وحفظها من التحريف والتصحيف إلا في عهد الحاكم الأثيني بيزيستراتوس Peisistratos في منتصف القرن السادس ق.م.
تعد
الإلياذة إلى جانب الأوديسة أحد أهم المصادر الأدبية لفهم تطور الأدب الأوربي منذ القرن السابع ق.م، إذ كان لهما أثر كبير في تطور الشعر والسرد الملحمي والمسرحي وتصوير البطولات والأخلاق والحالات النفسية المختلفة التي يمر بها البشر في مواجهة أقدارهم مهما كان منبتهم الاجتماعي.
صحيح أن الموضوع الرئيس في الإلياذة، وهو غضب أخيل، لم يجد صدى ملحوظاً في الأدب لاحقاً، لكن نبوءة موته المبكر وتحققها المأساوي بسهم أطلقه باريس Paris وأصاب به عقب أخيل، أي نقطة ضعفه الجسدي الوحيدة الناتجة من عدم غمره بماء النهر المقدس ستيكس Styx عندما عمدته أمه فيه، هذه النبوءة كانت مادة عدة مسرحيات وأعمال أوبرالية بين عصر النهضة ونهاية القرن التاسع عشر في أوربة. كذلك الأمر فيما يتصل بعلاقة الحب التي نشأت بين أخيل وبوليكسِنه Polyxene أخت هكتور وباريس، أو العلاقة الثانية بين أخيل والمحاربة الأمازونية بنتيسيليه Penthesilea. كما أن بعض أهم شخصيات
الإلياذة شغلت الشعر والمسرح والرواية والأوبرا قروناً كثيرة، مثل أغاممنون وهيلينه وباريس وهكتور وأندروماخه وبرياموس وهيكابه Hecabe وإنياس Aenias. وكان صداها الأول في مسرحيات إسخيلوس[ر] وسوفوكلس[ر] و أوربيدس[ر] في القرن الخامس ق.م، إلى جانب إنيادة[ر] فرجيل[ر] في القرن الأول ق.م، هذه الأعمال التي أضحت بدورها مصادر مهمة لإبداعات لاحقة في مختلف الأجناس الأدبية والفنية منذ مطلع عصر النهضة في إيطالية وفرنسة وألمانية وإنكلترة، وأُطلق اسم
الإلياذة على عدة ملاحم أوربية مع أن مادتها لا تمت بصلة إلى حرب طروادة. وقد ترجمت إلياذة هوميروس عن اليونانية القديمة واللاتينية إلى معظم لغات العالم. وفي مطلع الستينات من القرن العشرين قام المصري أمين سلامة بترجمتها إلى اللغة العربية.