ينتظر الناس في هذه الأيام بفارع الصبر متى تلوح شمس الإجازة الصيفية في الأفق لأنها تأتي بعد عناء عام كامل من الأعمال المضنية والمشاغل المرهقة فيفرحون بها أشد الفرح ليخلعوا عن ظهورهم مظاهر التعب ورواحل النصب ويبدأ التخطيط من أوقات مبكرة وتطرح كثير من الأسئلة مثل أين نقضيها ؟ وفيم نقضيها ؟ ماذا نفعل فيها ؟ كيف نتمتع بها ونستفيد منها ؟
ومن حق هؤلاء أن يتساءلوا فالكل في حاجة إلى إجازة سعيدة لكن الخطأ أن يعتقد البعض أنها إجازة من الأعمال الصالحة وبعضهم يستغلها لارتكاب ما حرم الله.
فالبعض من الناس يبحثون عن السعادة في مواطن الشقاء والراحة في أماكن العناء فحالهم كحال العطشان يروي ظمأه بماء البحر .
أيها الإخوة الكرام :
اعلموا حفظكم الله أن الوقت الذي أنتم فيه هو حياتكم إذا عمرتموه فإنما تعمروا حياتكم وإذا قتلتموه فإنما تقتلون أنفسكم ولأهمية الوقت فإن الله سبحانه وتعالى أقسم به في أوائل سور كثيرة فقال سبحانه قال سبحانه: ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3))) سورة العصر
وقال : (( والفجر) وقال : (( والضحى )) وقال : ((وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2))) سورة الليل الآيات (1-2).
إخوة الإسلام:
إن الوقت ثمرة العمر فلنسأل أنفسنا هل ثمارنا طيبة أم خبيثة؟
يقول ابن القيم رحمه الله : (( السنة شجرة والشهور فروعها والأيام أغصانها والساعات أوراقها والأنفاس ثمارها فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته طيبة ومن كانت في معصية فثمرته حنظل))
وقال الحسن البصري رحمه الله: ((أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم على دراهمكم ودنانيركم نعم إذ إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا )).
فمتى يعرف المفرط قدر الوقت وقيمة العمل فيه؟
يعرف ذلك في موقفين عظيمين يندم فيها على ضياع الوقت والحياة ويعلم أنه كان مغبوناً خاسراً.
أما الموقف الأول: ساعة الاحتضار حينما ينزل الموت بالعبد المفرط ((وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11))) سورة المنافقون الآيات (10-11).
إنه يريد فرصة من الوقت ليتدارك حياته بالعمل الصالح ولكن هيهات هيهات.
الموقف الثاني: في يوم القيامة : حين يقول المفرط في جنب الله: ((أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (58))) سورة الزمر الآيات (56-58).
وقال تعالى: ((وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ )) سورة الأنعام ِآية(27).
تعالوا : معا لنتأمل خصائص الوقت لندرك أهميته:
فمن خصائصه:
1- أن ما مضى منه لا يعود ولا يمكن تعويضه .
2- سرعة مرور الأيام وانقضائها؟.
3- أنه محدود بأجل مسمى.
4- أن أكثر الناس مغبون فيه.
5- أن الوقت هو محل الحساب.
إذا عرفنا خصائص الوقت وشرفه وأهميته فلا بد من استغلال الوقت بالأعمال النافعة في الدنيا والآخرة. فعلى سبيل المثال يمكن أن تستفيد من إجازتك وتكون فيها من الفائزين بأمرين اثنين:
أولهما : أن تستشعر قيمة الوقت وأنه رأس مالك.
ثانيا: لابد من التخطيط والتنظيم والبعد عن الفوضى في استغلال الوقت:
فمن المشاريع التي يمكن أن تقوم بها في الإجازة:
1- المشاريع التعبدية : مثل أداء العمرة – الاجتهاد في تلاوة القرآن – قيام الليل- الصيام وغيره من أنواع العبادة .
2- المشاريع العملية :كحفظ القرآن الكريم – وحفظ السنة – حفظ المتون – حضور دروس المشايخ – حضور المحاضرات – الندوات -حضور الدورات العلمية – إعداد البحوث – تلخيص الكتب والأشرطة وغير ذلك.
3- المشاريع المعرفية المهارية: والتي تهدف إلى بناء النفس وتطوير الذات مثل :القراءة السريعة -الكتابة السريعة – البحث ـ التعامل مع المراجع- فهرسة المعلومات النسخ على الحاسب الآلي – تصنف المكتبات – استخدام برامج الحاسب الآلي وغيرها.
4- مشاريع دعوية: جولات دعوية للقرى خارج المدنية : نشاطات دعوية في الأسواق والمتاجر والأرصفة وتجمعات الشباب .
5- مشاريع النشاط الجماعي : المراكز الصفية والمخيمات الدعوية والتربوية الرحلات الطويلة أو القصيرة مع العائلة أو مع الأقارب .
6- مشاريع إغاثية : كالمشاركة في الجمعيات الخيرية والقيام على الفقراء والمساكين وجمع ما يحتاجونه وتوزيعه عليهم.
7- مشاريع تجارية ووظيفية : كالتجارة الصغيرة في سوق الخضار أو عند المساجد وكالوظائف المؤقتة في الشركات والمتاجر أو الجهات الخيرية والدعوية.
8- الزيارات : كزيارات المكتبات والمعارض والمستشفيات ودور المعاقين وصالات الألعاب.
9- المشاريع المهنية : كتعلم مهنة في المصانع أو مراكز التدريب المهنية : كهرباء إلكترونيات – صيانة – تبريد – تجارة وغيرها من المهن .
10- الألعاب الرياضية المفيدة : كالدفاع عن النفس والسباحة والغوص وتعلم الفروسية وغيرها من الرياضات المفيدة للجسم تلك عشرة كاملة.
أخيرا أيها الإخوة الكرام الإجازة جزء من أعمارنا فلا ينبغي أن تكون عطلة عن العمل وليست مضيعة للأوقات وليست فرصة للمعاصي والمنكرات لا بد من الهمم العالية وترك حياة الدعة الكسل.
أبارك في الناس أهل الطموح ومن يستلذ ركوب الخطر
ومن يتهيب صعود الجبـال يعش أبد الدهر بين الحفر
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لاغتنام أوقاتنا وأعمارنا في طاعته اللهم أعنا على ذكر وشكرك وحسن عبادتك.