الإخوة الأعضاء الكرام : الرجاء في حال وضع صور في المنتدى أن يكون رفعها على مركز الرفع الخاص بالمنتدى وهو موجود في صندوق الموضوع المطور أو ضمن الإعلانات النصية الموجودة أسفل المنتدى ، لأن ذلك يسهم في سرعة المنتدى وأدائه ، وشكراً لكم على كرم تعاونكم || كن بلا حدود ولا تكن بلا قيود .|| إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا . || قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك . || الإرهاب .. لا دين له || |





أطلال الحكاية ( يحكى أن. ) خاص القــــصص والــــــروايات والأساطيــــر

الإهداءات

أم دغش قصة بقلم : مجدي جعفر

أم دغش قصة بقلم : مجدي محمود جعفر (1) بدت لنا على غير عادة النساء العربيات - و البدويات على وجه الخصوص - ممصوصة كعود

إضافة رد
#1  
قديم 08-30-2010
مجدي محمود جعفر غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل : Aug 2010
 فترة الأقامة : 4969 يوم
 أخر زيارة : 08-30-2010 (02:10 AM)
 المشاركات : 6 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : مجدي محمود جعفر is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي أم دغش قصة بقلم : مجدي جعفر



أم دغش
قصة بقلم : مجدي محمود جعفر
(1)

بدت لنا على غير عادة النساء العربيات - و البدويات على وجه الخصوص - ممصوصة كعود قصب ، يابسة كعود حطب ، كادت الرياح أن تذروها - لولا أن اتكأت على جدار البيت وراحت تتفحصنا واحداً تلو الآخر بعينيها الضيقتين من خلف " البرقع " !
.. لم تزل آثار السفر على وجوهنا ، و الحقائب أثقلت كواهلنا ، و العرق ينز من جباهنا ، وأنوفنا .. تنظر لنا بعينين حادتين.
- " مصريون " ؟
= نعم
- " و لماذا جئتم " ؟!
= بحثاً عن لقمة العيش يا خالة .
زامت ، وضيقت ما بين حاجبيها ، وتمتمت بكلمات لم نتبينها ثم قالت :
- " من خرج من داره قل مقداره " !
ألجمتنا عبارتها ، وكدنا ننسحب ، لولا أن تذكرنا أن أصحاب البيوت يرفضون " العزاب " سُكاناً ، و كل من سألناه دلنا على " أم دغش " .
قادتنا إلى غرفة فوق السطوح - أقامتها بجوار برج للحمام - ضيقة الغرفة كزنزانة ، ارتفاعها لا يتجاوز المترين ، شباك صغير ينفذ منه الضوء بصعوبة ، نصف معتمة ، رغم قربها من الشمس ، فالشمس تكاد تلامس سقف الغرفة المصنوع من الصاج القديم الصدئ .
ما كادت أقدامنا تطأ عتبات الغرفة حتى هب هواء ساخن ، راكد ، و رائحة عفنة ، انكوت وجوهنا ، و نفرت أنوفنا .
قالت :
- " بالماء والصابون تنظفونها " ‍!
قال أحدنا :
= ولا نهر النيل ينظفها !
نظرت إليه و قالت :
- " النيل " . النيل ما عاد يجرى " !
قال ضاحكاً :
= و الله العظيم تركناه - و هو يجرى !!
نظرت إليه ، و شردت قليلاً ، ثم قالت :
- " النيل توقف من عشرين سنة " !!
.. و ما كادت تنصرف ، حتى نزعنا ملابسنا ، وفتحنا صنبور الماء ، ورحنا نغسل أرضية الغرفة وجدرانها و نغنى " مصر . مصر . مصر هي أمي ، نيلها هو دمى . شمسها في سمارى ، شكلها في ملامحى ، حتى لونى قمحي ، لون خيرك يا مصر " .
( 2 )

ما كدنا نفرغ من تنظيف الغرفة ، وصب الماء على أجسادنا ، حتى جاء ولد صغير دون العاشرة أو أكثر قليلاً . وقال :
- أمي تقول لكم لا تقربوا الحمام ؟ و" أيش " أحضرتم معكم من مصر ؟!
= أنت دغش ؟
- نعم .
راح كل ينقر على ما معه و نغنى .
= دغش . يا دغش . حلو يا دغش ..
أخذ الولد يضحك ، و يغنى معنا ، ولكنا وجمنا ، وسكتنا فجأة ، حينما رأينا أم دغش على بُعد خطوات منا ، فلم نشعر بوقع أقدامها على الأرض ، وأسرعنا إلى حقائبنا نفتحها ، و نخرج مافيها .
: فطير ، عسل نحل ، جبنة قديمة ، ...
نظرت إلى الفطير والجبنة القديمة ، و أطالت النظر إلى الفطيرة المستديرة كقرص الشمس وقت الغروب و قالت :
- " من أين أنتم في مصر " ؟ ‍

= من الشرقية .
ضحكت ، لأول مرة - نراها تضحك . و قالت :
- " أنتم اللي عزمتم القطر " !
ضحكنا و قهقهنا ، و قلنا :
= من قال لك يا أم دغش ؟ !
تناولت الفطيرة ، وبعض العسل والجبنة القديمة ، وآنستنا بإبتسامة رضا بدت في عينيها ، وريثما انصرفت رحنا نغنى :
= أنا المصري - كريم العنصرين .
( 3 )

مع قرآن الفجر تصعد أم دغش إلى السطوح ، تدخل برج الحمام ، وتبقى مع الحمام حتى شروق الشمس ، و لا ندرى إن كانت تنوح أم تهدل ، يأتي صوتها همساً أحياناً ، وزعيقاً أحياناً ، أوقاتاً تبكى وأوقاتاً تضحك ، تناغى الحمام وتلاغيه ، يقف على راحتي يديها ‍‍، و فوق رأسها ، وعلى كتفها ، يحلق حولها ، منظر جميل وبديع يبدو لنا من الشرفة الصغيرة .
.. أم دغش تلتقط حبات من الحبوب بفمها أو قطرات ماء وتلجه في منقار فرخ الحمام الصغير .. و قبل غروب الشمس تجلس معه لساعات ، و لا ندرى متى نمت العلاقة بينهم و لا كيف فقهت لغة الطير ؟!
.. فما يكاد الحمام يشعر بقدومها حتى يحلق حولها ، و يتقافز طرباً ، كأطفال صغار - يستقبلون أمهم بعد غياب ، أو كعاشق يقابل محبوبته ..
.. كنا نحترم تلك العلاقة ، ونحاول ألا نزعج أم دغش وحمامها ، ففي حال وجودها لا نصدر أصواتاً - ونلتزم الصمت المهيب ، وأم دغش - كشفت لنا الأيام - عن عصبيتها - ومزاجها الحاد ، تشتمنا أحياناً بلا سبب .. و لا يجرؤ أحد منا على الاعتراض ، و أم دغش لا تكون في حالة سوية إلا وقت وجودها مع الحمام .
تهدأ نفسها الثائرة و تستكين ، يمتص الحمام ثورتها ، و يشيع في نفسها البِشر و السرور ، و كنا إذا أردنا منها شيئاً أجلناه لبعد جلستها مع الحمام ، ففي هذا الوقت لا ترفض لنا طلباً و لا تؤخر لنا أمراً ولا تبخل علينا بشيء ، و تكون طيعة ، لينة ، هادئة .
.. أقسم أحدنا أنه رأى - أم دغش - تصنع جناحين كبيرين من ريش الحمام ، و تقيسهما على ذراعيها - و تحدانا - أن نتسلل إلى البرج في الليل - و سنرى الجناحين معلقين على الحائط ، و قال أنه لا أثر لريش أو لزغب في المكان ، و أم دغش رأيناها أكثر من مرة تنتف ريشاً وتنزع زغباً ، وقادنا زميلنا إلى صندوق الزبالة بجوار البرج - فلم نر أثراً لريش أو لزغب - هل صدقتم ؟!
قلنا :
= من يدرى .. عباس بن فرناس أول من حاول الطيران وفشل وقد تنجح أم دغش !!
( 4 )


ما كدنا نضع رؤوسنا على الوسائد حتى نهضنا فزعين على صراخ الولد دغش و طرقاته على الباب

- الحقوا أمي تضرب أبويا ؟!
صكت الكلمة آذاننا ، و تلاقت أعيننا في استنكار ، ونهضنا ، حفاة – عدونا، وبسرعة البرق وصلنا للدور الأرضي - لنرى أم دغش مُمسكة برجل مُسن ، كنا نظنه أباها - كشفت عن مؤخرته ، و أطلقت عليها خرطوم الماء ، و كانت تقرعه عليها و تشتمه و تلعن الأيام السوداء .
و الرجل المُسن منكمش كالطفل ، وعندما حاولنا أن نتدخل ، هبت فينا كالمسعورة ، وأطلقت خرطوم الماء في وجوهنا ، وراحت تسبنا ، و لا ندرى لماذا أخذت تسب المصريين و تجرى وراءنا كالمجنونة .
عرفنا فيما بعد - أن الرجل العجوز - أو الشايب كما يقولون - هو زوجها - و على هرمه لا يفيق من سكر ولا يتحكم في عملية الإخراج ، و يعملها على نفسه في الشارع أو في الفراش !!

( 5 )

كل يوم يمضى نكتشف فيه شيئاً ، و نعرف عنها جديداً ، و الجديد و المدهش هذه المرة - أن أم دغش مصرية !!
رحنا نضرب كفاً بكف - و ما كنا لنصدق أنها مصرية - لولا أن أكد لنا دغش أنها مصرية مائة بالمائة و أننا أخواله !
انتظرنا أم دغش قبل أن تدخل البرج و قلنا لها :
= لماذا تكرهين المصريين وأنت مصرية ؟ !
كان الحمام يحلق حولها ، و يحط على رأسها و كتفيها ، كعادته عندما تهل ، أمسكت بحمامة ، وراحت توشوشها بكلمات لم نتبينها ، ثم أطلقتها ، فانطلقت الحمامة ، و استدارت إلينا و قالت:
- كل يوم - من عشرين سنة - و أنا أُحمل حمامة رسالة أبعث بها إلى مصر ، و كل يوم أنتظر ، لا الحمامة تعود و لا الرد يصل !!
و تركتنا أم دغش و دخلت ، وأغلقت الباب ، جلسنا بجوار البرج نحاول أن نصغي لبوح أم دغش للحمام .
سرب من النمل يحمل كسرة خبز جافة ويتحرك صوب البرج ، سمعنا تحذير النملة لزملائها من سليمان وجنوده في قرآن المغرب الذى يُتلى بالمسجد القريب ، وحديث الهدهد ، والجان ، والرجل الذى عنده علم ، وأبداً أبداً لم نتبين حديث أم دغش للحمام !

( 6 )

قالت أم دغش :
-" باعوني أولاد الـ ... "
= ..................
- " أبويا ، و العمدة ، و المأذون ، ، و طبيب الصحة ، و شاهدا العقد ..........
= ..................
- " قبضوا الثمن ورموني للقيظ والحر والصحراء والبداوة والحياة القاسية ، و رجل مزواج ، فارغ العينين ، يكبر أبى سناً ، ويقارب جدي في العمر " !
= ....................
- " عشرون عاماً عشتها معه ، ما شفت فيها راحة " !
" كنت أتمنى أن آكل يوماً وأجوع يوماً في مصر ، أرقد في عشة على النيل مع بائع فجل أو سائق عربة حنطور أو أعيش عمري كله عانساً بدون زواج " !
= ..................
-" امرأة جاهلة مثلى ، إذا خرجت أبعد من ها الشارع تتوه " !
= ......................
- " كانت رسائلي - عبر الحمام - فلولاه لمت كمداً - ما تركت أحداً في مصر إلا بعثت له برسالة - حتى أولياء الله الصالحين " .
مرة نمت - و دموعي على خدي - حلمت أنى حمامة - ظللت أطير وأطير ، حتى رأيت النيل ، هبطت فرحانة - أبل ريقي ، صحوت - على صوت الولد دغش وهو يبكى، حضنته ، وجلست أبكى ، وخلعت غطاء رأسي ودعوت على الذين كانوا السبب - و من ذاك اليوم - وأنا عندي أمل أعود إلى مصر وأشرب مرة أخرى من النيل !!

( 7 )

على غير عادتنا رجعنا من الشغل مبكرين ، لنسمع ونحن في أول الشارع صراخ أم دغش ، ونحيبها وعويلها ، ارتعدت فرائصنا ، ووجلت قلوبنا لما رأينا الولد دغش ملقى على الأرض يغوص في دمه ، شقت جلبابها ، ولطمت خدها و عفرت وجهها بالتراب .
قال صبى صغير للعسكري :
- التقطت أرقام السيارة.
قالت امرأة :
- كان السائق هندياً يقود بجنون !
بصعوبة بالغة خلصنا الولد دغش من أمه التي احتضنته بهستريا ، وحمله أحدنا إلى الداخل ، وحملنا أم دغش عُنوة ، وصعدنا بها إلى السطوح .. أدخلناها برج الحمام و أغلقنا عليها ، سمعنا نوح الحمام و بكاءه .
وفى اللحظة التي كان يخرج فيها دغش مُحملاً في النعش ، كانت أم دغش تقف على قمة البرج ، تلبس الجناحين ، يغطى الريش والزغب مناطق كثيرة من جسمها العاري ، وحولها الحمام يحلق و ينوح - و بينما الناس تتأهب للسير بالنعش - صحنا فيها :
= ارجعي .
ارجعي يا مجنونة !!




ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك




Hl ]ya rwm frgl : l[]d [utv





رد مع اقتباس
قديم 08-30-2010   #2
Pin : 2BC5F4E6



الصورة الرمزية خلدون
خلدون غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 01-29-2015 (01:02 PM)
 المشاركات : 2,212 [ + ]
 التقييم :  35
 الدولهـ
Canada
 الجنس ~
Male
 SMS ~
K
لوني المفضل : Lightcoral
افتراضي رد: أم دغش قصة بقلم : مجدي جعفر



شكراً أخي مجدي محمود
على القصة الجميلة
وتقبل مروي المتواضع


 


رد مع اقتباس
قديم 08-30-2010   #3



الصورة الرمزية مطلع الشمس
مطلع الشمس غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : منذ 3 أسابيع (02:25 PM)
 المشاركات : 6,040 [ + ]
 التقييم :  63
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkgreen
افتراضي رد: أم دغش قصة بقلم : مجدي جعفر



قرأت القصة كاملة حتى وصلت إلى استعداد أم دغش
للطيران لتنتحر تحت ريش حمائمها التي عاشت معها عمراً
مديداً .
وقد شددتنا لمعرفة عما إذا كانت أم دغش قد أقلعت أم تراجعت
وعادت لتنتحب على موت ابنها .
سررت جداً يا سيدي بهذه القصة الرائعة والحبكة الجميلة
والقالب الذي وضعت فيه هذه الأحداث .
شكراً لك يا أديبنا وننتظر الجديد والأروع .
تحياتي لك .


 


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
~*^*~(( اكتب بقلم حبر ولا تكتب بقلم رصاص ))~*^*~ هموسه فضاءات وآفاق بلا حدود . 4 06-05-2011 06:01 PM
في أحدى الليالي ... أبو ذكرى أطلال التسلية والفكاهة والابتسامة . 1 02-03-2011 01:52 PM
رسم الخيال ( بقلم مطلع الشمس ) مطلع الشمس أطلال أقلام وإبداعات الأعضاء ، عصارة فكر وبراعة قلم ( يمنع المنقول ) . 8 09-01-2010 07:33 PM
جدتي والطائر قصة بقلم : مجدي جعفر مجدي محمود جعفر أطلال الحكاية ( يحكى أن. ) 6 08-30-2010 03:27 AM
الرسام فريدو .. الرسم بقلم الرصاص دلع السعودية أطلال وحديث الصورة . 1 06-24-2010 11:34 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية
Add Ur Link
منتديات همس الأطلال دليل مواقع شبكة ومنتديات همس الأطلال مركز تحميل همس الأطلال . إسلاميات
ألعاب همس الأطلال ضع إعلانك هنا . ضع إعلانك هنا . ضع إعلانك هنا .

flagcounter


الساعة الآن 11:35 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
.:: تركيب وتطوير مؤسسة نظام العرب المحدودة ::.
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع الحقوق محفوظة لـشبكة ومنتديات همس الأطلال