الإخوة الأعضاء الكرام : الرجاء في حال وضع صور في المنتدى أن يكون رفعها على مركز الرفع الخاص بالمنتدى وهو موجود في صندوق الموضوع المطور أو ضمن الإعلانات النصية الموجودة أسفل المنتدى ، لأن ذلك يسهم في سرعة المنتدى وأدائه ، وشكراً لكم على كرم تعاونكم || كن بلا حدود ولا تكن بلا قيود .|| إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا . || قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك . || الإرهاب .. لا دين له || |




العودة   شبكة ومنتديات همس الأطلال Network Forum whispered ruins > همس الأطلال التاريخية ( علم التاريخ ) . > أطلال التاريخ العربي الإسلامي المعاصر .

أطلال التاريخ العربي الإسلامي المعاصر . يهتم بتاريخ الأمة العربية من سقوط الدولة العثمانية وحتى عصرنا الحاضر .

الإهداءات

خطط محمد علي باشا التوسعية وآثارها في المنطقة العربية

نجح محمد علي باشا بالإمساك بمقاليد الأمور في مصر سنة 1805م. ولكنه اعتبر ذلك خطوة أولى في طريق طموحاته الطويل، فحوّل مصر إلى قاعدة قوة تمكنه من السير في ذلك

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 02-05-2013

زرياب غير متواجد حالياً
لوني المفضل Darkblue
 رقم العضوية : 105
 تاريخ التسجيل : Oct 2010
 فترة الأقامة : 4938 يوم
 أخر زيارة : 04-19-2022 (02:26 PM)
 المشاركات : 405 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : زرياب is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي خطط محمد علي باشا التوسعية وآثارها في المنطقة العربية




نجح محمد علي باشا بالإمساك بمقاليد الأمور في مصر سنة 1805م. ولكنه اعتبر ذلك خطوة أولى في طريق طموحاته الطويل، فحوّل مصر إلى قاعدة قوة تمكنه من السير في ذلك الطريق حيث بنى فيها جيشاً قوياً وأقام الصناعات اللازمة له. وتطلع بعدها نحو المنطقة العربية المجاورة لإقامة إمبراطورية فيها. وكانت بداية تحركاته في هذا الإتجاه نحو شبه الجزيرة العربية، حيث هيأت دعوة السلطان العثماني له للقضاء على الدولة السعودية الأولى الفرصة الملائمة. فأرسل حملاتٍ متتالية منذ سنة 1811م مكنته من السيطرة على الحجاز و أجزاءٍ من اليمن ثم نجد وصولاً إلى ساحل الخليج العربي. ونجح محمد علي في ضم السودان إلى ممتلكاته سنة 1820م كي تكون مصدراً للذهب والجنود اللازمين لتوسيع جيشه.

أخذ محمد علي يتطلع بعدها نحو بلاد الشام وأخذ يضغط على السلطان العثماني أن يمنحه إياها تعويضاً عن الخسائر التي لحقت به من جرّاء مساعدته للسلطان على قمع ثورة اليونان. إذ كان السلطان قد أغراه بتقديم تلك المساعدة بمنحه جزيرة كريت وتعيين إبنه إبراهيم باشا والياً على شبه جزيرة المورة (القسم الجنوبي من اليونان). فاستجاب محمد علي باشا للإغراء وأرسل قواته بقيادة إبنه إبراهيم باشا ونزلت في جنوب اليونان سنة 1824م وتعاونت مع القوات العثمانية في سحق الثورة اليونانية. وعندها هبّت الدول الأوروبية الكبرى فأرسلت أساطيلها إلى بحر إيجه ودمرت الأسطولين العثماني والمصري في معركة ناﭬارينو سنة 1827م، واضطر محمد علي باشا لسحب قواته إلى مصر. وأخذ يطالب السلطان بمنحه ولاية بلاد الشام تعويضاً عن الخسائر التي لحقت به في اليونان. ولكن السلطان محمود الثاني ظل يتهرب من الإستجابة. مما جعل محمد علي باشا يقرر اللجوء إلى القوة لفرض مطلبه. وتذرع بخلافٍ نشأ بينه وبين والي عكا الذي رفض إعادة ستة آلاف مصري هربوا من التجنيد الإجباري الذي فرضه محمد علي باشا عليهم واحتموا بوالي عكا. قاد إبراهيم باشا قوات أبيه وزحف نحو عكا في أكتوبر 1831م وفرض عليها الحصار مدة ستة أشهر حتى استسلمت له في مايو 1832م. وواصل إبراهيم باشا تقدمه وسط ترحيب قطاعاتٍ مهمة من السكان حتى اصطدم مع قوات السلطان في معركة حمص في يوليو 1832م وانتصر فيها انتصاراً كبيراً مكّنه من السيطرة على بلاد الشام كلها وضمّها لممتلكات والده. ولم تنته الحرب بين الجانبين عند هذا الحد، بل واصل إبراهيم باشا زحفه داخل بلاد الأناضول. وعندها أدرك السلطان محمود الثاني حراجة موقفه فلجأ للإستعانة بعدوته اللدود روسيا القيصرية التي قامت بإنزال قواتها في ضواحي العاصمة العثمانية اسطنبول لحمايتها من خطر السقوط بيدَي قوات محمد علي باشا. وقد أدت تلك الخطوة الروسية إلى إثارة مخاوف بريطانيا وفرنسا على مصالحهما في الدولة العثمانية فبادرتا للتدخل والضغط على السلطان ومحمد علي حتى توصلا إلى توقيع ”معاهدة كوتاهية“ في مايو 1833م التي تضمنت البنود التالية:
1. انسحاب قوات محمد علي باشا من الأناضول عدا كيليكيا.
2. يحكم محمد علي باشا وخلفاؤه من بعده مصر والسودان وشبه الجزيرة العربية وكريت حكماً وراثياً.
3. يحكم محمد علي باشا بلاد الشام وكيليكيا طيلة حياته.
هدأت الأوضاع بين الخصمين لمدة سنة، ولكن الخلاف بينهما تجدد وعادا لميادين القتال، حيث تمكنت قوات محمد علي باشا من تحقيق انتصارٍ كبير على قوات السلطان في معركة نصيبين في يونيو 1839م. وانفتح الطريق أمام قوات محمد علي باشا للزحف نحو العاصمة اسطنبول. وازداد حرج الموقف العثماني بانضمام الأسطول العثماني بكامله إلى محمد علي، ثم جاءت وفاة السلطان محمود الثاني لتزيد الطين بلة. ولكن الدول الأوروبية الكبرى هبّت لإنقاذ الموقف حرصاً منها على إبقاء ”الرجل المريض“ وتفادياً لحلول قوةٍ فتية محله يمكن أن تهدد مصالحها ومطامعها في المنطقة. فأرسلت أساطيلها لتقف إلى جانب القوات العثمانية في إجبار قوات إبراهيم باشا على الإنسحاب من كافة المناطق التي كانت تحتلها في الأناضول وبلاد الشام. ثم فرضت الدول الكبرى على محمد علي باشا القبول باتفاقية لندن في يوليو 1840م التي نصت على:
1. انسحاب قواته من كافة الأراضي العربية واقتصار حكمه الوراثي على مصر والسودان فقط.
2. تقليص عدد جيشه إلى 18000 رجل فقط.
3. اعترافه بالتبعية للسلطان العثماني.

وهكذا أجهضت الدول الكبرى أول محاولة في العصر الحديث لبناء مركز قوة في المنطقة العربية. وهناك شكٌ قوي فيما يتردد حول سعي محمد علي باشا لإنشاء دولة ”عربية“ واحدة. فالرجل لم يكن عربياً بل ولم يكن يحسن الكلام باللغة العربية. ولكن ذلك لا ينفي لجوء إبنه إبراهيم باشا بعد احتلاله بلاد الشام للإستفادة من البُعْدْ العربي لشق صف العرب عن الترك من أجل إضعاف السلطان العثماني ومن أجل التودد إلى عرب بلاد الشام. وقد خدم ذلك التكتيك الذي اتبعه إبراهيم باشا الفكرة القومية العربية التي نشأت لاحقاً حيث غدا محفزاً لأذهان بعض العرب. كما أن الإصلاحات التعليمية التي أدخلها في بلاد الشام خلال مدة حكمه زادت من وعي عرب بلاد الشام في حين هزّت انتصارات قوات محمد علي باشا على قوات السلطان العثماني مكانة السلطان المعنوية التي كانت كبيرة في نفوس كثيرٍ من سكان المنطقة العربية.


نشوء الفكرة القومية العربية خلال القرن التاسع عشر
ينتمي سكان شبه الجزيرة إلى عائلة الشعوب السامية. وقد أطلق الآشوريون في القرن 9 ق.م. على أبناء عمومتهم من سكان شبه الجزيرة صفة ”عربو“، وهو ترادف صفة ”الأعراب“ في لغتنا. وتحولت تلك الصفة إلى إسمٍ لسكان شبه الجزيرة التي غدت تُسمى ”شبه الجزيرة العربية“ وهي الموطن الأم للعرب. ولم يكن سكان شبه الجزيرة العربية في جاهليتهم أمةً واحدة، بل كانوا متشرذمين تحت ظل نظامٍ قبليٍ يجعل القبيلة وحدة الحياة السياسية والإجتماعية. وهي تتصارع مع غيرها من القبائل من أجل حماية مصالحها الذاتية. ولكن سكان شبه الجزيرة العربية رغم ذلك الواقع كان يعتمل في نفوسهم شعورٌ جنيني كامن بانتمائهم إلى شعبٍ واحد. ويخرج ذلك الشعور إلى حيز العلن في بعض المناسبات العامة التي كانت تهز مشاعرهم وتظهر القاسم المشترك بينهم. فقد فرح العرب بجميع قبائلهم بهزيمة أبرهة الحبشي حين حاول هدم الكعبة. وشعروا بالفخر حين انتصر سيف بن ذي يزن على الأحباش وحرّر اليمن من احتلالهم. وكان سرورهم غامراً بانتصار قبيلة بني شيبان على الفرس في موقعة ذي قار.

وانقلب حال العرب في شبه جزيرتهم مع بزوغ شمس الإسلام، إذ أكد الدين الجديد على مفهوم الأمة لا القبيلة. ومع أن المقصود بالأمة هو الجماعة الدينية، إلا أن مجرد طرح الفكرة رقى أذهان العرب وسما بفكرهم السياسي فوق حدود القبيلة الضيقة. وأكد القرآن الكريم في كثيرٍ من آياته على ”اللسان العربي“، فنبه أذهان العرب إلى ذلك العامل المشترك بينهم، وجعلهم يعتزون بهذه اللغة التي اكتسبت شيئاً من القداسة الدينية وأصبحت الوثاق الذي يشدهم لبعضهم. ودفعت الفتوحات الإسلامية الشعور العربي المشترك خطواتٍ للأمام. إذ أخرجت قبائل شبه الجزيرة العربية من قوقعة عزلتها وجمعتها على صعيدٍ واحد في ميادين المعارك فكسرت الحواجز النفسية فيما بينها، وأنشأت بينها زمالة سلاح وقدرة على العمل المشترك الذي يتجاوز الأطر القبلية الضيقة. كما أن الإنتصارات الكبيرة التي حققوها على جيوشٍ أقوى دولتين في العالم حينئذٍ نمّّّت مشاعر اعتزازهم بأنفسهم وكشفت لهم عن مدى ما يستطيعون تحقيقه إذا عملوا كتلة متماسكة واحدة. كما أخرجتهم الفتوحات من شبه جزيرتهم ووضعتهم على تماسٍ مباشر مع أقوامٍ أخرى يختلفون عنهم في لغاتهم وعاداتهم وتقاليدهم. فأدركوا ما يميزهم عن تلك الأمم من ناحية، وتبينوا تماثلهم فيما بينهم من ناحية أخرى.

اتبعت الدولة الأموية (41-132ﻫ) سياسة قومية واضحة جعلت مقاليد الأمور كلها بيد العرب مما أثار عليها نقمة الموالي وعجّل بانهيارها. وحين خلفتها الدولة العباسية أشركت أولئك الموالي مع العرب في إدارة الدولة. ولكن ذلك لم يخفف من حدة المشاعر القومية لدى قسمٍ من أولئك الموالي. وقد أدت تلك المشاعر إلى ظهور ما عُرِفَ بالحركة ”الشعوبية“ التي ابتدأت بالمطالبة بالتسوية بين العرب وغيرهم من شعوب الدولة، ثم تجاوزت ذلك للإنتقاص من قدر العرب والتهوين من شأنهم. وقد استثارت الشعوبية رد فعلٍ قوي في نفوس المدافعين عن العرب، وتبادل الجانبان الحجج والبراهين شعراً ونثراً. وقد جعلت تلك الحملة الظالمة العرب أكثر اعتزازاً بهويتهم المشتركة، كما أن ذلك السجال الفكري بين أنصار الشعوبية ومعارضيها، أبرز أمام العرب الفضائل التي كانوا يتحلّون بها وجعلهم حريصين على تحقيق المزيد منها كي يرفعوا شأنهم أمام منافسيهم.
وجاء العصر العباسي بأمرٍ جديد آخر خدم فكرة ”العروبة“ بشكلٍ غير مقصود. فقد أسقط الخليفة المعتصم العرب من ”الديوان“، أي ألغى استخدامهم في الجيش. وبذلك تفرغ العرب من مهمةٍ أشغلتهم عن أي شيءٍ آخر منذ بدء الفتوحات الإسلامية، وأصبح عليهم البحث عن مهنة بديلة تؤمن معاشهم. فاتجهوا للإستقرار في الأراضي المفتوحة لممارسة الزراعة، وأصبحوا على احتكاكٍ مباشر مع سكان تلك الأراضي، فاتسعت عملية ”التعريب“ تدريجياً حتى غدت المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي ناطقةً باللغة العربية ومما سهل تلك العملية أن أكثرية سكان تلك المنطقة الاصلاء كانوا من الساميين أبناء عمومة العرب فلم تكن اللغة العربية غريبة على آذانهم أو ثقيلة على ألسنتهم. وانتهى العصر العباسي بكارثة الإجتياح المغولي سنة 656ﻫ - 1258م، ثم تتابعت بعده على المنطقة العربية دولٌ غريبة عنها بلسانها وعاداتها، فنشأت هوةٌ عميقة بين تلك الدول وسكان المنطقة من العرب الذين ارتدّوا إلى وضعٍ قبليٍ شديد الشبه بما كان عليه حالهم في جاهليتهم. وعاد الشعور بالإنتماء العروبي المشترك للكمون، فلا يظهر للسطح إلا نادراً، وإن ظل يتردد على ألسنة الشعراء.

ظل الحال هكذا حتى حل القرن التاسع عشر فبدأت الفكرة القومية العربية تتبلور تدريجياً خاصةً في نصفه الثاني. ويحسن قبل الإيغال في تتبع تطور تلك الفكرة تعريف المقصود بـ”القومية“، وهي مأخوذة من لفظة ”قوم“، وتعني شعوراً بالإنتماء إلى قوم معينين، والتزام إرادي بالعمل لما فيه خيرهم وصلاحهم. وقد ظهرت نواة هذه الفكرة في بلاد الشام قبل غيرها من الأقطار العربية نتيجة لعوامل عديدة يمكن إجمالها على الوجه الآتي:
1. خضوعها لحكم محمد علي باشا بين سنتي 1832 و1840م مع ما رافقه من تطورات سبقت الإشارة إليها.

2. انتشار التعليم في ربوع بلاد الشام لوجود كثيرٍ من المدارس التابعة للأديرة والكنائس والجمعيات التبشيرية. وقد خدمت كثيرٌ من تلك المدارس التراث العربي من خلال تحقيق ونشر كثير من مخطوطاته. كما أنها خدمت اللغة العربية حين جعلتها لغة التعليم. واستفادت الفكرة القومية من هذين الأمرين معاً، إذ نـمّت اعتزاز العرب بأنفسهم باعتبارهم وارثي حضارة راقية من ناحية وأحيت الرابط اللغوي المشترك فيما بينهم.
3. وجود نسبة كبيرة من سكان بلاد الشام من النصارى العرب. وإذ كانت الرابطة التي تشد العرب للدولة العثمانية هي الرابطة الدينية، فقد أخذ أولئك النصارى يؤكدون على رابطةٍ بديلة تشدهم لمواطنيهم وهي رابطة القومية.

4. انفتاح بلاد الشام على أوروبا واطلاع أهلها على ما كان يدور في أوروبا من تطوراتٍ سياسية. ولقد كان القرن التاسع عشر في أوروبا عصر الفكر القومي الذي استطاع تحقيق إنجازاتٍ كبيرة مثل الوحدة الإيطالية (1861-1869م) والوحدة الألمانية (1871م). فأخذ بعض متنوري بلاد الشام يحلمون باحتذاء تلك التجارب لتوحيد الأقطار العربية ضمن إطار دولة قومية واحدة.
5. تأسيس بعض الجمعيات ذات الهدف الثقافي العام ظاهراً والساعية للترويج للفكرة القومية باطناً، ولعل من أوائل تلك الجمعيات ”جمعية الآداب والعلوم“ سنة 1847م، و”الجمعية الشرقية“ سنة 1850م، و”الجمعية العلمية السورية“ سنة 1857م، و”الجمعية العلمية العثمانية“ التي أسِسَت سنة 1868م.

6. بروز بعض المفكرين الكبار الداعين للفكرة القومية في أشعارهم ونثرهم مما قرّب الفكرة إلى أذهان قرائهم. ومن أولئك المفكرين بطرس البستاني وناصيف اليازجي وعبدالرحمن الكواكبي.
7. الإنتصارات الروسية على العثمانيين سنة 1877 و1878م، ووصول القوات الروسية إلى ضواحي اسطنبول أثار فزع عرب الشام وجعلهم يائسين من قدرة الحكومة العثمانية على توفير الحماية للأقطار العربية تجاه الأطماع الأوروبية التي كانت تتربص بها. فأخذوا يفكرون في وسيلة بديلة توفر لهم تلك الحماية، وهداهم تفكيرهم إلى أن الوسيلة الأفضل هي تجمع الأقطار العربية المشرقية في إطار دولةٍ قومية واحدة تمتلك من أسباب القوة ما يمكنها من الصمود في وجه التهديدات الخارجية.

ولم تكن السلطات العثمانية غافلةً عما يدور بين صفوف النخب الداعية في بلاد الشام للفكرة القومية بل كانت تراقب أنشطتها وترفع تقاريرها للسلطان عبدالحميد الثاني الذي ازدادت خشيته منها بعد تواتر إشاعات سنة 1879م عن مؤامرةٍ تحاك سراً بين عرب الشام لإعلان انفصال بلادهم عن الدولة العثمانية وتأسيس مملكةٍ عربية مستقلة فيها يوضع على عرشها الأمير عبدالقادر الجزائري. فأوعز السلطان إلى أجهزته الأمنية باستخدام الأساليب القمعية ضد الناشطين العرب الذين لجأوا بالمقابل إلى العمل السري. وأول جمعية سرية عربية أُنشِأت في بيروت سنة 1875م (أي قبل تولي عبدالحميد الثاني السلطنة بسنة واحدة) ثم جمعية حماية الحقوق العربية سنة 1881م، وأُسِسَت بين طلبة مكتب عنبر في دمشق جمعية سرية سنة 1903م. وحين أكمل بعض أعضائها دراستهم الثانوية في ذلك المكتب وانتقلوا إلى اسطنبول لإكمال دراستهم الجامعية أسسوا هناك سنة 1906م جمعية سرية أخرى أسموها ”جمعية النهضة العربية“. كما انضم بعض الناشطين العرب لجمعية سرية أخرى ليست عربيةً خالصة هي ”جمعية الإتحاد والترقي“ التي أُسِسَت سنة 1889م وكان هدفها الرئيس إجبار السلطان عبدالحميد الثاني على إعادة العمل بدستور سنة 1876م المعلّق، باعتبار تبنّي النظام الدستوري هو الحل الأمثل لإصلاح شأن الدولة العثمانية. وقد نجحت تلك الجميعة في القيام بانقلاب عسكري في يوليو 1908م أجبر السلطان عبدالحميد على إعلان إعادة العمل بالدستور. وقد فرح الناشطون العرب بتلك الخطوة، واستفادوا من هامش الحرية الكبير الذي ضمنه الدستور، فبادروا إلى إصدار العديد من الصحف ذات الإتجاه القومي في اسطنبول وفي كبريات المدن العربية في الشام والعراق والحجاز. كما أسس بعض القادة العرب المقيمين في اسطنبول في أغسطس 1908م ”جمعية الإخاء العربي ـ العثماني“، وهي جمعية علنية تسعى لتوكيد ارتباط العرب بالدولة العثمانية، ولكنها تدعو لإنصاف العرب ومنحهم حقوقهم السياسية المشروعة.

الصراع بين القوميين العرب والإتحاديين
انتهى عهد الصفاء سريعاً بين الإتحاديين المهيمنين على الحكومة العثمانية والناشطين العرب. إذ اعتنق زعماء جمعية الإتحاد والترقي فكرةً قومية متطرفة تدعو إلى صبغ الدولة العثمانية بالصبغة التركية، وإحلال ”الطورانية“ التي تربط الترك داخل الدولة وخارجها ببعضهم محل ”العثمانية“ التي تشد مواطني الدولة إلى بعضهم البعض بصرف النظر عن انتمائهم القومي. وقد أدت تلك السياسة إلى إثارة رد فعل أبناء القوميات الأخرى غير التركية ومنهم العرب الذين أخذوا يؤكدون بالمقابل على تميزهم القومي عن الترك. ولجأت السلطات الإتحادية إلى قمع أبناء القوميات الأخرى خاصةً بعد انفرادها بالهيمنة على مقاليد الأمور في الدولة العثمانية بعد خلع السلطان عبدالحميد الثاني سنة 1909م. إذ قامت بعد ذلك مباشرةً بإغلاق جمعية الإخاء العربي ـ العثماني ومنع صحيفتها من الصدور، على الرغم من إتّصاف تلك الجمعية بالإعتدال في مطالبها وأنشطتها.

وترتب على ذلك القمع عودة الناشطين العرب إلى العمل السري داخل الدولة العثمانية. ومن أوائل الجمعيات السرية العربية التي أُسِسَت في هذا الطور ”الجمعية القحطانية“، وذلك في اسطنبول أواخر سنة 1909م. وكانت تدعو إلى إنصاف العرب وإعطائهم حقوقهم السياسية وإشراكهم في إدارة الدولة العثمانية على قدم المساواة مع الترك. وأسس عزيز علي، وهو ضابط مصري في الجيش العثماني ، جمعية ”العهد“ في اسطنبول سنة 1913م. واقتصرت عضوية تلك الجمعية على الضباط العرب العاملين في الجيش العثماني وأكثرهم من العراقيين. وكانت تلك الجمعية تدعو إلى تحويل الدولة العثمانية إلى مملكة ثنائية تركية ـ عربية تحت تاج واحد وهو تاج السلطان العثماني، مستوحيةً بذلك نموذج دولة النمسا ـ المجر حينئذ. فقد كانت كلٌ منهما مملكة مستقلة عملياً ولكن عرش آل هابسبورغ يوحدهما معاً. وقُدّر للعديد من أعضاء هذه الجمعية أن يلعبوا دوراً بارزاً في مسار الأحداث العربية لاحقاً.

وأسِسَت إلى جانب تلك الجمعيات السرية بعض الجمعيات العلنية داخل نطاق الدولة العثمانية مثل ”جمعية بيروت الإصلاحية“ و”الجمعية الإصلاحية“ في البصرة. كما أسِسَت كثير من الجمعيات العلنية خارج أراضي الدولة العثمانية سواءً في القاهرة أو في بعض العواصم الأوروبية التي رحل إليها كثيرٌ من الناشطين القوميين العرب هرباً من البطش الإتحادي فقد أسِسَت في باريس سنة 1911م جمعية ”العربية الفتاة“ وكانت أكثر ميلاً من غيرها من الجمعيات القومية العربية لمبدأ استقلال العرب عن الدولة العثمانية. أما ”حزب اللامركزية الإدارية العثمانية“ فقد كانت مطالبه تقتصر على تطبيق اللامركزية أو ”الإستقلال الذاتي“ في الولايات العربية التابعة للدولة العثمانية. وكانت تلك الجمعيات العاملة في الخارج تصدر العديد من الصحف والمجلات المعارضة للحكومة الإتحادية والداعية للفكرة القومية العربية. وكانت تلك الصحف والمجلات تُهرَّب إلى المدن العربية عن طريق ”البريد الأجنبي“، فتسهم في تأجيج المشاعر العربية المعارضة ضد الإتحاديين، ويلاحظ هنا أن تلك الجمعيات جميعها تقريباً لم ترفع شعار الإنفصال عن الدولة العثمانية.

فكر قادة جمعية ”العربية الفتاة“ بضرورة عقد مؤتمرٍ عربي عام هدفه توحيد الجهود العربية المناوأة للإتحاديين، وتحديد المطالب العربية من الدولة العثمانية، وكسب التأييد الأوروبي للقضية العربية. وبادروا للإتصال بزعماء ”حزب اللامركزية“ في القاهرة وجمعية بيروت الإصلاحية. وأثمرت تلك الإتصالات إتفاقاً على الفكرة. فعُقِدَ المؤتمر في باريس في يونيو 1913م بحضور خمسة وعشرين مندوباً مقسومين بالتساوي تقريباً بين المسيحيين والمسلمين. وكان أغلبهم من عرب الشام والمهاجر. وقد أظهرت مداولات المؤتمر وجود تباين في وجهات النظر حول الموقف من الدول الأوروبية إذ تحمس البعض لطلب عونها، وتحفظ البعض الآخر خوفاً من أطماعها الإستعمارية في المنطقة العربية. ولكن ذلك الإختلاف لم يحل دون اتفاق المؤتمرين على تحديد المطالب العربية وهي:
1. تمتع العرب داخل الدولة العثمانية بحقوقهم السياسية التي ضمنها الدستور.
2. إشراكهم في إدارة الدولة ومنحهم حصة من المناصب الحكومية والتمثيلية المختلفة بقدر نسبتهم من عدد سكان الدولة.
3. تطبيق نظام اللامركزية في الولايات العربية.
4. الإعتراف باللغة العربية لغة رسمية في الولايات العربية ولغة معتبرة في مداولات مجلس المبعوثان.

5. جعل خدمة الجند من العرب في الجيش العثماني داخل ولاياتهم في وقت السلم.
عمل الإتحاديون جهدهم من أجل الحيلولة دون انعقاد المؤتمر العربي في باريس. وحين أخفقوا في ذلك تظاهروا بالميل إلى التفاهم مع القادة العرب. فأوفدوا إلى باريس سكرتير جمعية الإتحاد والترقي مدحت شكري للتباحث مع أولئك القادة حول المطالب العربية. وتظاهر شكري بقبول حكومته لتلك المطالب ودعا القادة العرب لإرسال وفدٍ منهم إلى اسطنبول لاستكمال المحادثات مع الحكومة العثمانية مباشرةً حول كيفية وضع تلك المطالب موضع التطبيق. ولكن الإتحاديين ميّعَوا مفاوضات الوفد هناك، وسعوا إلى شق الصف العربي عن طريق تعيين ستة من القادة العرب أعضاءً في مجلس الأعيان. وقد أدى ذلك فعلاً إلى نشوب خلافاتٍ بين القيادات العربية في الخارج وأولئك الذين قبلوا تلك المناصب. ولكن هذا لم يعد بفائدة على الحكومة الإتحادية، بل زاد في نقمة المعارضين العرب لها. فأصبحت مقالاتهم الصحفية ومنشوراتهم السرية التي توزع في المدن العربية أكثر حدة في لهجتها. وبدأت تظهر في بعضها دعوة صريحة للثورة ضد الحكومة الإتحادية والإنفصال عن الدولة العثمانية وتأسيس دولة عربية مستقلة

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك




o'' lpl] ugd fhah hgj,sudm ,Nehvih td hglk'rm hguvfdm





رد مع اقتباس
قديم 02-05-2013   #2


الصورة الرمزية نيروز
نيروز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 6
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 07-01-2014 (09:19 AM)
 المشاركات : 13,261 [ + ]
 التقييم :  36
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Dimgray
افتراضي رد: خطط محمد علي باشا التوسعية وآثارها في المنطقة العربية



الله يعطيك الف عافيه ,
سلمت يداك .
لك التقدير.


 


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
محمد, المنطقة, التوسعية, العربية, باشا, وآثارها


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أبرز الأحداث السياسية في المنطقة العربية خلال القرنين 16 و 17 الأسد الرهيص أطلال التاريخ العربي الإسلامي المعاصر . 1 02-05-2013 12:30 AM
قيام الدول شبه المستقلة في المنطقة العربية خلال القرن الثامن عشر: الأسد الرهيص أطلال التاريخ العربي الإسلامي المعاصر . 1 02-05-2013 12:29 AM
دعوات الإصلاح في المنطقة العربية الأسد الرهيص أطلال التاريخ العربي الإسلامي المعاصر . 1 02-05-2013 12:29 AM
الضغوط النفسية وأثارها على القلب الجسد سهارى الأطلال الطبية العامة . 2 09-29-2012 05:07 PM
علي باشا مبارك أحد رواد التعليم في مصر أبو ذكرى أطلال الشخصيات المشهورة وأحداث رسخت في صفحات التاريخ .. 2 12-15-2010 06:18 AM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية
Add Ur Link
منتديات همس الأطلال دليل مواقع شبكة ومنتديات همس الأطلال مركز تحميل همس الأطلال . إسلاميات
ألعاب همس الأطلال ضع إعلانك هنا . ضع إعلانك هنا . ضع إعلانك هنا .

flagcounter


الساعة الآن 12:26 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
.:: تركيب وتطوير مؤسسة نظام العرب المحدودة ::.
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع الحقوق محفوظة لـشبكة ومنتديات همس الأطلال