الانتساب للقبيلة في الجاهلية كان أشبه بالبطاقة الشخصية في عصرنا، أو بالجنسية، ومن هنا حرص العرب على حفظ أنسابهم، والحفاظ على بقائها، فانتساب العرب إلى عدنان وقحطان كانت له آثار لا تنكر في حياة العرب الاجتماعية، وكانت الرابطة القبلية هي الإطار الأمثل للدفاع عن البقاء ونيل الحقوق، وهي البديل عن الانتساب إلى الدول في عصرنا، فالقبيلة وحدة سياسية مستقلة ووحدة اجتماعية لها أعرافها وتقاليدها وهي أشبه ما تكون بدولة مصغرة، وكانت وحدة الدم هي الأساس في هذه الرابطة، على أن روابط أخرى كانت تنشأ من القبيلة والأفراد المجاورين أو الملتحقين بها دون أن تقوم على أساس من الدم، بل كانت تفرضها المصالح المشتركة في مجتمع لا يعترف إلا بالقوة وشعاره أبداً: "مَنْ عَزّ بَزّ".
ولم تكن القحطانية والعدنانية عصبية معروفة في الجاهلية، فقد كانت العصبية ضيقة لا تتعدى حدود القبيلة، وكثيراً ما كان الصراع يقع داخل بطون القبيلة ذاتها وأفخاذها بسبب تناقض المصالح مما يؤدي في آخر المطاف إلى التفتت القبلي وظهور عصبيات أضيق، لكن ذلك لا يمنع من أن العصبية القبلية ظلت من أقوى الروابط التي تربط الفرد بالجماعة، فكان الأفراد يداً واحدة في الخير والشر، بهدف توفير الحماية ودفع قوة الآخرين، وقد أدت العصبية القبلية إلى ضعف الشعور بالترابط القومي مما كان له أكبر الأثر في صدر الإسلام وعصر بني أمية في شتى الميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وكان النظام القبلي منتشراً قبل الإسلام في البوادي والحواضر، دون أن يكون بين البيئتين فوارق قوية مميزة، فأساليب العيش متقاربة، وكانت حياة العرب تقوم على التجمع القبلي للغزو أو صد الغزو، فهي تتسم بطابع الصراع ولا تعترف إلا بالقوة، وكان للقبيلة أعراف وتقاليد نافذة لها قوة القانون في عصرنا، يشرف على تنفيذها شيخ القبيلة أو سيدها المنتخب، وبه تتحقق وحدة القبيلة وعليه عبء إدارة شؤونها في السلم والحرب، وقد يستعين بمجلس يضم رؤساء البطون الأساسية للقبيلة فيستشيرهم وقد يستبد برأيه أو يتخلى عنه تحت ضغط الجماعة، وكان الغزو ثمرة خشونة الصحراء وجفافها، فهو سبيل للبقاء في بيئة لا يعيش فيها إلا من كان شرساً. وينجم عن الصراع بين القبائل وقائع منها القتل وطلب الثأر عادة والعشيرة كلها تشترك في الجريرة، فكل فرد من عشيرة القاتل معرض للموت، وكل فرد من عشيرة المقتول مطالب بدمه، ومن العار أن تنام القبيلة عن ثأرها، إذ لا يكون الزهو والفخر إلا بتنفيذ الثأر وغسل العار، وقد يتم الثأر غيلة أو غدراً، جهراً أو سراً، وكان الخوف من الثأر يدفع العرب إلى الحد من ممارسة القتل ويتحرز منه تحرزاً شديداً إلا ما اقتضته الضرورة القصوى، وقد ينتهي الأمر بدفع الدية وهي اعتراف من أهل القاتل بغلطتهم وسوء تصرفهم، وفيها إعلان عن ميول سلمية لحياة آمنة، وكان بعض العرب يرى رفض قبول الدية لأن الدم لا يغسل إلا بالدم، ولا سيما القبائل القوية المنيعة، وكانت الإبل خير المال تدفع به المهور والديات، وبلغ مقدار دية الشريف أحياناً ألفاً من الإبل وقد يتنازل العدد إلى خمسة نوق دية الرجل العادي من سواد القبيلة، وتكون دية الحليف والعبد نصف دية الصريح من أبناء القبيلة، وفي المعارك الكبرى يحصى القتلى، فيتحمل أحد الطرفين دية القتلى الذين زاد عددهم عن قتلى الطرف الآخر.
ومن عادات العرب في الجاهلية الخلع. وهو نفي الفرد أو طرده من القبيلة، وحرمانه من جميع حقوقه إذا ارتكب جرائم وجنايات تضر بالصالح العام وكان الخلعاء يشكلون لأنفسهم تجمعات خاصة تضم أفرادهم من جميع القبائل فيغيرون على الأحياء وينهبون الأموال ويخلون بالأمن ويتم الخلع على رؤوس الأشهاد وفي المواسم والأسواق، وقد يكون الخلع تدبيراً احترازياً كخلع شخصين بينهما ثأر في قبيلة من القبائل لئلا يمتد الثأر بينهما إلى بطني القبيلة، ولا تقبل القبائل الأخرى الخليع في عدادها، فيعيش طريداً متشرداً في الفيافي والقفار، وكان الخلع يزود حركة الصعاليك في الجاهلية بمدد بشري متواصل، وقد عرف العصر الجاهلي عدداً من هؤلاء الصعاليك المشهورين كالشنفرى وتأبط شراً والسليك بن السلكة.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
hgk/hl hgrfgd td hguwv hg[higd > hgk/hl K hgrfgd K hg[higdm K [higd K k/hl