تدريب 5

بدأت حياتي ورقة جديدة عندما خرجت من مؤسسة النقد قادماً من مصنع النقود
لي صوت يكاد يثمل منه كل من يسمعه عندما يفركني متناولي بين أصابعه
يتمنى أن أدوم في جيبه مدى الحياة ، ولكنه مسلم ومؤمن بأنني لست سوى زائر
خفيف الظل سريع الرحيل ، والخروج من جيبه كما تخرج يعاسيب النحل من خليتها
مغادرة إلى وجهة أخرى بعد أن ضاق بها المقام ، فتنتقل لقع في يد نحال آخر قد أعد
لها خلية جديدة فارغة .
وهذا ما يشعر صاحبي بالحسرة والتألم أن يعلم أنني ضيف ليس لي مقام في جيبه
فأنتقل من يد إلى يد ، ومن سوق إلى سوق ، وبقالة إلى بقالة ، يعشقني الجميع
ويسعى مستميتاً ليحصل علي .
كم أشقيت سعيداً ، وكم أسعدت شقياً ، وكم بثت حياتي المتنقلة وغير المستقرة
في أيدي الآخرين شعور التعاسة ، والأمل ، والشقاء والسعادة ..
صحيح أن قيمتي ضئيلة ، ولا تساوي شيئاً أمام الفئات الأخرى من النقود ، ولكنني
أنا أعتبر أول درجة في السلم ، ولا يمكن التهاون بي أو المرور من دوني .
كما أنني أبعث الفرح والسعادة ، عند من يملكني ، وشعور الترح والشقاء عند من لا يستطيع
الحصول علي ، إلا أنني أيضاً أعاني وأتعب ، وأنا أتنقل من يد ألى أخرى ومن جيب إلى آخر
أو أقبع في ظلمات خزائن البنوك ، أو جيوب البخلاء المنتنة ، وأيديهم القذرة البخيلة ، التي تشد
علي وتحكم عليها قبضتها حتى تزول عني تلك النضرة الجميلة ، ويختفي ذلك الصوت ( والقرمشة )
التي كانت تعتريني من جدتي وكنت أفخر بها ، وقد أعيش سجيناً في مخابئه وخزائنه المكتضة بالنقود
مما يشعرني بالزحام الشديد ، أكاد ألفظ أنفاسي من شدة التزاحم والضغط علي من باقي الرايالات الأخرى
وفئات النقود الأخرى .

ثم أواصل رحلتي اليومية ، من صراف آلي إلى سوق كبير ، إلى محل صغير ، بيد طفل صغير
أو شيخ كبير .. كم هي متعبة حياتي ، وكم يقلقني عدم استقراري في مكان واحد ، وكم يزعجني
هؤلاء الذين لا يحافظون علي ويهملونني باي شكل من أشكال الإهانة ، خصوصاً عندما يصرفونني
في غير مصارفي ، أو ينفقونني في غير ما أحل الله ، فلو كان لي روح لتفجرت ، أو لسان لصحت
بأعلى صوتي ووقعت مغشياً علي من غضبي وحنقي من هؤلاء البلهاء الذين لا يعرفون قدري
ولا يراعون في الله .

----------------