[COLOR=rgb(222, 184, 135)] لا شك أن أي باحث يزمع إنجاز بحث أو إعداد دراسة حول موضوع معين أو قضية محددة سواء أكانت مجسدة أو مجردة، ستعترضه طائفة من العوائق وجملة من الحواجز التي تحول بينه وبين إنجاز مهمته، وحتى إذا تسنى للباحث إنهاء بحثه، فإنه يأتي موصوفا بكثير من النواقص والثغرات والسلبيات التي لا يخطئها أي قارئ عادي، مما يجعل الدراسة غير مستوفية لشروط البحث العلمي ولا مستجيبة لمقاييس الدرس المعرفي. وهذا يدفعنا إلى طرح سؤال مركزي وأساسي وهو: أين الخلل ؟
إن مركز الخلل هو في كيفية فهمنا لحقيقة الموضوع الذي هو مركز الاهتمام والبحث، أي أن منهجية بحثنا ودراستنا يشوبها خلل كبير ونقص واضح مما يجعلها قاصرة عن تحقيق المراد؛ وهو محاولة استجلاء الظاهرة أو الموضوع بصفة جامعة مانعة إن صح التعبير.
إذن إن الاهتمام سينصب على الموضوع الذي هو مركز البحث ومحط الاهتمام، والحديث عن الموضوع هو حديث عنه في ذاته أي دراسة الموضوع من الداخل، وليس من الخارج أو عبر علاقته بباقي المواضيع والظواهر أو المحيط،، باعتبار ذلك موضوعا آخر يحتاج إلى نقاش وبحث آخر ليس هذا مقامه في هذا المقال. الموضوع بين الوجود والعدم إن أول خطوة في التعامل مع الموضوع هي التأكد من وجود الموضوع أو عدمه، لأن هذه هي مقدمة البحث ونقطة الانطلاق والارتكاز ومنها تتحدد باقي المكونات والمعطيات، بدليل كم من البحوث انطلقت من مواضيع أو قضايا اعتقد أصحابها بوجودها مع أن الحقيقة خلاف ذلك إطلاقا، فذهبت تلك الجهود سدى، لأنها قامت على خطأ، ومن ثم يغدو التساؤل عن الموضوع / الشيء من ناحية الوجود أو العدم سؤالا مصيريا ومنه يحكم على البحث من البداية بالنجاح أو الفشل، والحديث عن وجود الموضوع أو عدمه، هو الذي ينهي الجدل حول كثير من القضايا والمواضيع، فمثلا لا يمكن استنزاف الطاقات وتبذير الجهود والإمكانيات عبر الخوض والبحث في مواضيع لا أساس لها باعتبارها أشياء معدومة ومن بنات الأوهام كالمخلوقات الخيالية والخرافية والأسطورية، في حين أن الجزم بوجود موضوع / شيء معين يؤدي إلى الحديث عن موضوع قائم وكائن حقا وفعلا.
والحديث عن وجود الموضوع، يؤدي إلى تحديد طبيعة هذا الوجود الذي ينقسم إلى وجودين: وجود الموضوع، ووجود ذات الموضوع.
وجود الموضوع
إن الانطلاق من هذه المسلَّمة ـ وجود الموضوع ـ والبناء عليها يعني أن الموضوع شيء موجود في هذا الوجود المنظور أو المستور، ويحتل حيزا محددا وشكلا معينا بطريقة مجردة أو مجسدة، وذلك انطلاقا من جملة الأمارات الدالة عليه وعبر طائفة من العلامات المشيرة إليه، وإلا لما قيل بأن ذلك الموضوع من خصائصه كذا، وأن تلك الإشارة تنتمي إليه وترتبط به. من وجود الموضوع إلى معرفة الموضوع
بيد أن هناك جملة من العوائق التي قد تحول بيننا وبين إدراك حقيقة الموضوع وماهيته، أو بتعبير دقيق ذات الموضوع، وذلك لأسباب كثيرة؛ كأن تكون من قبيل الأشياء الغيبية كعالم الغيب وما يرتبط به من موجودات كالخالق جل وعلا والملائكة الكرام الجن والشياطين وغيرهم، وإذا لم يكن هناك حد فاصل بين وجود الموضوع ووجود ذات الموضوع، فإن هذا الحد الفاصل قائم بين معرفة ذات الموضوع التي قد يتعذر علينا معرفتها، بينما لا يتعذر علينا معرفة الموضوع، أي هناك مستويات في معرفة هذا الموضوع، فإن لم يكن باستطاعة الإنسان معرفة ذات الموضوع في صورة معينة وعلى شكل بنية مجسدة، فإن هناك مستوى آخر من مستويات إدراك ذاك الموضوع، عبر مجموعة من العلامات والإشارات والأدلة التي تساهم مشتركة في وضع إطار معين ورسم تصور محدد عن ذلك الموضوع. خصوصية الموضوع وإذا كان الموضوع المعين له وجود حقيقي كباقي المواضيع والقضايا الأخرى، فإن مما لا ريب فيه أن له ذاتا مخصوصة وشكلا محددا وكيانا قائما بصورة من الصور، يميزه عن غيره من المثيلات أو المختلفات من المواضيع والأشياء الظاهرة والخفية على حد سواء، وذلك انطلاقا من خصوصية واستقلالية أي موضوع عن غيره من المواضيع / الأشياء رغم ما قد تجمعه معها من نقط اشتراك وتداخل أو انتمائها جميعا إلى منظومة عامة وجامعة، فإن ذلك لا يمنع عنه تميزه ولا ينفي عنه خصوصيته.
وهنا يرد سؤال تلقائي وأساسي، ترى ما الذي يضفي على الموضوع تميزه ويقيم بينه وبين غيره مسافة وفصلا؟ تعريف الموضوع بعد أن تجاوزنا مرحلة الوجود، ننتقل إلى المرحلة الثانية مرحلة الموجود، مرحلة التعاطي مباشرة مع الموضوع ولكن هذه المرة من الداخل، وذلك عبر البحث عن تعريف خاص به، ووضع تحديد مميز بواسطته نستطيع التواصل مع الموضوع والانطلاق من حجة بينة ودليل واضح في البحث والنظر، لأن تعريف الموضوع / الشيء هو الذي يضع لنا معالم الطريق ويبين المسار الذي سيسلكه الباحث في دراسته، والتعريف كما هو معروف يوقفنا على حقيقة وماهية وطبيعة الموضوع المبحوث، ويضع الإطار العام الذي يختص به، أي أنه يقيم إلى حد بعيد فصلا بينا بين العناصر التي تنضوي تحت هذا الموضوع وتلك الغريبة عنه، مما يضفي عليه سمة خاصة، تجعله منفصلا عن غيره من المواضيع وإن كانت تجمعه معها بطريقة جلية أو خفية جملة من المظاهر وطائفة من الأوصاف.
والناظر في التعريفات المتعلقة بأي موضوع كثيرا ما تكتنفها الصعوبة وتلفها المشقة تبعا لطبيعة الموضوع، بيد أنه مما لا مفر منه هو البحث عن تعريف معين للموضوع المقصود، أو محاولة إيجاد تعريف مؤقت يقربنا منه، لأنه بالتحديد والتعريف يمكن تبين مكونات ومواصفات ومعالم الموضوع، وذلك عبر تعيين الإطار الخاص به وعزله عن غيره من الأطر الأخرى، أي هناك فرق بين ما هو داخل ومنتمٍ لفضاء الموضوع عما هو مخالف ومغاير لما يوجد خارج ذلك الفضاء. وهذا يضعنا أمام قيمة التعريف وأهميته في البحث والمعالجة، لأنه في غياب التعريف لا يمكن الحديث عن شيء مبهم والكلام عن موضوع مجهول.
إن التعريف هو الذي يضع أيدينا على حقيقة الموضوع ومكوناته الظاهرة والباطنة على حد سواء. مكونات الموضوع إن أي موضوع له إطار عام وبنية معينة تتضمن جملة من العناصر وعلى رأسها الذات أو الهيكل الذي هو بؤرة الموضوع وجوهره، وهذه الذات ترتبط بها جملة من المعطيات من قبيل: الخصائص والصفات والأحوال والمظاهر والوظائف التي هي توابع ولواحق تكمل وظيفة الذات، وتدل على حركيتها وتفاعلها بما فيه من تأثير وتأثر في الوجود. ذات الموضوع إن أي موضوع لا تقوم له قائمة ما لم يكن يشتمل على ذات معينة لها هيكل معلوم وبناء منظوم، منه تصدر وتعود كل ما يتعلق بها أو في علاقتها مع غيرها من المواضيع والأشياء، والمطلع على كثير من المواضيع والأشياء يرى ذاتها بمثابة بنية مكونة من جملة من المكونات والعناصر، بحيث هناك نوعان من المكونات، مكونات أساسية ومركزية وهناك مكونات فرعية وثانوية، وتحتهما تنضوي كثير من العناصر والأجزاء. خصائص ومميزات الموضوع إن مما يضفي على الموضوع نكهة خاصة ويصبغه بصبغة تميزه عن غيره من المواضيع والقضايا، هو امتلاكه لخصائص ذاتية واحتواؤه على مواصفات معينة، تجعله يأخذ مكانة تفصله عن غيره بطريقة أو بأخرى، لأنه لولا التميز لما كان التنوع والاختلاف والتباين.
وهذه الخصائص تتعدد وتتنوع بقدر امتداد الموضوع في الزمان والمكان، وتداخله وتشابكه وتشعبه مع غيره من المواضيع والقضايا بصفة مباشرة وغير مباشرة، وبطريقة قريبة أو بعيدة، واختراقه من جملة كثير من العلوم والمعارف بكل تياراتها ومدارسها واتجاهاتها بما تحمله من تصورات ورؤى ونظريات ومناهج وآليات.
بيد أن هذه الخصائص مهما تعددت وتنوعت فهي تبقى محصورة ومضبوطة، لا تخرج عن نوعين من الخصائص، خصائص كلية أساسية وهي تتسم بالثبات والرسوخ، تردفها خصائص فرعية ثانوية ميزتها التغير والتحول.
هذه إذن بعض الخطوط العريضة التي صيغت بطريقة مقتضبة ومركزة، قد تساعد الباحث أثناء تعامله مع كثير من المواضيع المتباعدة والمتقاربة سواء كانت مجردة أو مجسدة، قصد إعداد دراسة أو إنجاز بحث. [/COLOR] |
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
hgl,q,u fdk hg,[,] ,hgu]l