عرض مشاركة واحدة
قديم 08-11-2011   #3



الصورة الرمزية مطلع الشمس
مطلع الشمس غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : منذ 5 يوم (09:31 AM)
 المشاركات : 6,040 [ + ]
 التقييم :  63
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkgreen
افتراضي رد: المنصور .. محمد بن أبي عامر .



المنصور ابن أبي عامر .. المجاهد الذي لا يهزم

تولَّى محمد بن أبي عامر الحُكم منذ سنة (366هـ= 976م) وحتى وفاته –رحمه الله- في سنة (392هـ= 1002م)، وقد قضى هذه المدَّة في جهاد دائم لا ينقطع مع ممالك النصارى في الشمال، مع حسن إدارة وسياسة على المستوى الداخلي، حتى صارت الأندلس في عهده في ذروة مجدها

غزوات المنصور ابن أبي عامر



غزا محمد بن أبي عامر في حياته أربعًا وخمسين غزوة، لم يُهزم أبدًا في واحدة منها، بل كان الأغرب من ذلك هو أن يصل في فتوحاته إلى أماكن في مملكة ليون وفي بلاد النصارى لم يصل إليها أحدٌ من قبلُ، بل لم يصل إليها الفاتحون الأوائل؛ مثل: موسى بن نصير وطارق بن زياد، فقد وصل الحاجب المنصور إلى منطقة الصخرة؛ تلك المنطقة التي لم تُفتح من قِبَل المسلمين من قبلُ، واستطاع –رحمه الله- أن يغزو النصارى في عقر دارهم، وها هو ذا قد وصل إلى خليج بسكاي والمحيط الأطلسي في الشمال، وفي كل هذه الغزوات لم تنكسر له فيها راية، ولا فلَّ له جيش، ولا أُصيب له بعث، ولا هلكت سرية[2].

وكان من المتعارف عليه قبل ذلك أن الجهاد في الصوائف فقط، إلاَّ أن الحاجب المنصور كانت له في كل عام مرتان يخرج فيهما للجهاد في سبيل الله، عُرفت هاتان المرتان باسم الصوائف والشواتي.

غزوة شانت يعقوب

كانت أعظم هذه الغزوات قاطبة غزوة «شانت ياقب»، وشانت ياقب هو النطق العربي في ذلك الوقت لـ «سانت يعقوب» أي القديس يعقوب، وكانت هذه المدينة في أقصى الشمال الغربي من شبه الجزيرة الأيبيرية، وهي منطقة على بعدها الشديد عن أهل الأندلس في ذلك الوقت كانت شديدة الوعورة؛ ولذلك لم يصل إليها فاتح مسلم قبل المنصور بن أبي عامر، هذا بالإضافة إلى أن هذه المدينة على وجه التحديد كانت مدينة مقدسة عند النصارى، فكانوا يأتونها من مختلف بقاع الأرض ليزوروا قبر هذا القديس؛ حتى إن ابن عذاري المراكشي قال: إنها «أعظم مشاهد النصارى الكائنة ببلاد الأندلس وما يتصل بها من الأرض الكبيرة، وكانت كنيستها عندهم بمنزلة الكعبة عندنا؛ فبها يحلفون، وإليها يحجون من أقصى بلاد رومة وما وراءها»[3].

وكان ملوك نصارى الشمال كلما هاجم ابن أبي عامر عواصمهم فروا إلى هذه المنطقة القاصية الوعرة؛ يحتمون فيها من بأس المسلمين؛ ولهذا قرَّر ابن أبي عامر أن يذهب إلى هذه المدينة، وأن يحطم أسوارها وحصونها؛ ولِيُعْلِمَ هؤلاء أن ليس في شبه الجزيرة كلها مكان يمكنهم أن يحتموا فيه من بطش ابن أبي عامر.

وقصة هذه المدينة هي ما يُقال عن يعقوب صاحب هذا القبر، من أنه كان أحد حواريِّي سيدنا عيسى ابن مريم u الاثني عشر، وأنه كان أقربهم إليه u؛ حتى سموه أخاه u للزومه إيَّاه، فكانوا يُسَمُّونه أخا الرب –تعالى الله عمَّا يصفون علوًّا كبيرًا - ومنهم مَنْ يزعم أنه ابن يوسف النجار، وتقول الأسطورة أن صاحب هذا القبر كان أسقف بيت المقدس، وأنه جاب الأرض داعيًا إلى عقيدته حتى وصل إلى تلك الأرض البعيدة، ثم إنه عاد إلى أرض الشام، وقُتل بها، فلما مات نقل أصحابه رفاته إلى آخر مكان بلغه في رحلته الدعوية.

وفي صائفة سنة (378هـ) -وهي غزوته الثامنة والأربعون- قاد ابن أبي عامر قواته متجهًا بها نحو الشمال قاصدًا شانت ياقب، وفي الوقت نفسه بدأ الأسطول الأندلسي الذي أعده المنصور لهذه الغزوة تحرُّكَه من الموضع المعروف بقصر أبي دانس غربي الأندلس، وفي الطريق انضم إلى المنصور ابن أبي عامر عدد كبير من أمراء نصارى الإسبان؛ نزولاً على ما بينه وبينهم من معاهدات تُوجب عليهم أن يشتركوا معه في المعارك، ثم اتجه إلى شانت ياقب مخترقًا الطرق الجبلية الوعرة، حتى وصل إلى هذه المدينة، بعد فتح كل الحصون والبلاد التي في طريقه، وغنم منها وسبى، ثم وصل ابن أبي عامر إلى مدينة شانت ياقب ولم يجد فيها إلاَّ راهبًا بجوار قبر القديس يعقوب، فسأله عن سبب بقائه، فقال: أؤانس يعقوب. فأمر بتركه وعدم المساس به، وأمر بتخريب حصون هذه المدينة وأسوارها وقلاعها، وأمر بعدم المساس بقبر القديس يعقوب، ثم تعمق حتى وصل إلى ساحل المحيط دون أن يقف أمامه شيء، وكرَّ راجعًا، بعدما أنعم على مَنْ كان معه من أمراء النصارى بالمال والكساء كلٍّ على حسب قدره، ثم كتب إلى المسلمين يُبَشِّرهم بالفتح [4].

صور من جهاد المنصور ابن أبي عامر

يسير جيشا جرارا لإنقاذ نسوة ثلاث

جاء عن الحاجب المنصور في سيرة حروبه أنه سَيَّر جيشًا كاملاً لإنقاذ ثلاث من نساء المسلمين كنَّ أسيرات لدى مملكة نافار؛ ذلك أنه كان بينه وبين مملكة نافار عهد، وكانوا يدفعون له الجزية، وكان من شروط هذا العهد ألاَّ يأسروا أحدًا من المسلمين أو يستبقوهم في بلادهم، فحدث ذات مرَّة أن ذهب رسول من رسل الحاجب المنصور إلى مملكة نافار، وهناك وبعد أن أدَّى الرسالة إلى ملك نافار أقاموا له جولة، وفي أثناء هذه الجولة وجد ثلاث نسوة من نساء المسلمين في إحدى كنائسهم فتعجَّب لوجودهن، وحين سألهن عن ذلك قلن له: إنهن أسيرات في ذلك المكان.

وهنا غضب رسول المنصور غضبًا شديدًا، وعاد إلى الحاجب المنصور وأبلغه الأمر، فما كان من المنصور إلاَّ أن سيَّر جيشًا جرارًا لإنقاذ النسوة، وحين وصل الجيش إلى بلاد نافار دُهش ملك نافار، وقال: نحن لا نعلم لماذا جئتم، وقد كانت بيننا وبينكم معاهدة على ألاَّ نتقاتل، ونحن ندفع لكم الجزية. وبعزَّة نفس في غَيْرِ كبرٍ ردُّوا عليه: إنكم خالفتم عهدكم، واحتجزتم عندكم أسيرات مسلمات. فقالوا: لا نعلم بهن. فذهب الرسول إلى الكنيسة وأخرج النسوة الثلاث، فقال ملك نافار: إن هؤلاء النسوة لا نعرف بهن؛ فقد أسرهن جندي من الجنود وقد تمَّ عقاب هذا الجندي. ثم أرسل برسالة إلى الحاجب المنصور يعتذر فيها اعتذارًا كبيرًا، ويخبره بأنه قد هدم هذه الكنيسة، فعاد الحاجب المنصور إلى بلده ومعه النسوة الثلاث [5].

يقطع النصارى عليه الطريق، فيملي شروطه عليهم

ومما ذُكر عن الحاجب المنصور -أيضًا- أنه –رحمه الله- وهو في جهاده لفتح بلاد النصارى كان قد عبر مضيقًا في الشمال بين جبلين، ونكاية فيه فقد نصب له النصارى كمينًا كبيرًا، فتركوه حتى عبر بكل جيشه، وحين همَّ بالرجوع وجد طريق العودة قد قُطع عليه، ووجد المضيق وقد أُغلق تمامًا بالجنود.فما كان من أمر الحاجب المنصور إلاَّ أن عاد مرَّة أخرى إلى الشمال واحتلَّ مدينة من مدن النصارى هناك، ثم أخرج أهلها منها وعسكر هو فيها، ووزَّع ديارها على جنده، وتحصَّن وعاش فيها فترة، ثم اتخذها مركزًا له يقود منه سير العمليات العسكرية، فأخذ يُرسل منها السرايا إلى أطراف ممالك النصارى، ويأخذ الغنائم ويقتل المقاتلين من الرجال، ثم يأتي بهؤلاء المقاتلين ويرمي بجثثهم على المضيق الذي احتلَّه النصارى ومنعوه من العودة منه.
وهنا ضجَّ النصارى وذهبوا مغاضبين إلى قوَّادهم يعرضون عليهم أن يفتحوا له الباب؛ حتى يعود إلى بلده مرَّة أخرى، أو يجدوا حلاًّ لهم في هذا الرجل، فاستجابوا لهم وعرضوا على الحاجب المنصور أن يُخَلُّوا بينه وبين طريق العودة ويعود من حيث أتى، فما كان من المنصور إلاَّ أن رفض هذا العرض، وردَّ عليهم متهكِّمًا أنه كان يأتي إليهم كل عام مرتين صيفًا وشتاءً، وأنه يريد هذه المرَّة أن يمكث بقية العام حتى يأتي موعد المرَّة الثانية، فيقوم بالصوائف والشواتي من مركزه في هذه البلاد بدلاً من الذهاب إلى قُرْطُبَة ثم العودة منها ثانية.
لم يكن مفرٌّ أمام النصارى سوى أن يطلبوا منه الرجوع إلى بلده ومالوا إلى السلم، فراسلوه في ترك الغنائم والجواز إلى بلاده، فقال: أنا عازم على المقام. فتركوا له الغنائم، فلم يجبهم إلى الصلح، فبذلوا له مالاً ودوابَّ تحمل له ما غنمه من بلادهم، فأجابهم إلى الصلح، وفتحوا له الدرب[6].

يجمع ما علق على ثيابه من غبار ليُدفن معه في قبره

مقتديًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «... وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِى سَبِيلِ اللهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ»[7]. فكان من عادة الحاجب المنصور -رحمه الله- في جهاده وبعد كل معركة أن ينفض ثوبه، ويأخذ ما يخرج منه من غبار ويضعه في قارورة، ثم أمر في نهاية حياته أن تُدفن معه هذه القارورة؛ وذلك حتى تشهد له يوم القيامة بجهاده ضد النصارى[8].
ولقد كان من أهم مميزات جهاد الحاجب المنصور أنه كان يبدأ بالهجوم، ويحاول إجهاض المؤامرات في مهدها، ولا ينتظر للدفاع مثلما كان حال مَنْ سبقه[9].

حضارة الأندلس في عهد الحاجب المنصور



من الجوانب الوضَّاءة في حياة ابن أبي عامر أو الحاجب المنصور -أيضًا- اهتمامه الكبير بالجانب المادي والحضاري في البلاد؛ فقد أسَّس مدينة الزاهرة على أحسن ما يكون -كما ذكرنا- وزاد كثيرًا في مساحة مسجد قُرْطُبَة، حتى أضاف إليه ضعف مساحته الأصلية، وكان يشتري هذه المساحات ممن يقطنون حول المسجد، وذلك بالمبلغ الذي يرضونه[10].

وقد ذُكر في ذلك أنه كانت هناك سيدة وحيدة تسكن في بيت فيه نخلة بجوار المسجد، وقد أبت هذه السيدة أن تبيع بيتها هذا إلاَّ إذا أَتى لها الحاجب المنصور بمنزل فيه نخلة كالذي تملكه، فأمر الحاجب المنصور بشراء بيت لها فيه نخلة كما أرادت، حتى ولو أتى ذلك على بيت المال، ثم أضاف بيتها إلى حدود المسجد [11].
زاد الحاجب المنصور كثيرًا في المسجد بعد ذلك، حتى أصبح ولفترة طويلة من الزمان أكبر من أي مسجد أو كنيسة في العالم، وهو ما يزال إلى الآن موجودًا في إسبانيا، ولكنه -وللأسف- حُوِّل إلى كنيسة بعد سقوط الأندلس، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله!
وكذلك كانت العلوم والتجارة والصناعة وغيرها من الأمور قد ازدهرت كثيرًا في حياة الحاجب المنصور، وقد عمَّ الرخاء وامتلأت خزانة الدولة بالمال، ولم يَعُدْ هناك فقراء تمامًا، كما كان الحال أيام الحكم بن عبد الرحمن الناصر أو أيام عبد الرحمن الناصر نفسه.
وحتى البلاد التي فتحها المنصور من بلاد النصارى اهتم بتعميرها وعمارتها؛ حتى صارت الجزيرة الأندلسية كلها متصلة العمران، عامرة زاهرة خضرة نضرة[12].

الاستقرار الداخلي في الأندلس

كان من اللافت للنظر -أيضًا- في حياة الحاجب المنصور أنه ورغم طول فترة حكمه -التي امتدَّت من سنة (366هـ= 976م) وحتى سنة (392هـ= 1002م)- لم تقم عليه أي ثورة، أو تمرُّد في عهده على طول البلاد واتساعها واختلاف أمزجتها، اللهم إلاَّ ما ذكرناه من قبل عن النزاع بينه وبين غالب الناصري.
فقد كان الحاجب المنصور رجلاً قويًّا، محكِمًا للأمن والأمان في البلاد، كما كان عادلاً مع الرعية؛ ومما جاء في ذلك ما ترويه بعض الروايات من أنه جاءه يومًا رجلٌ بسيط من عامَّة الشعب، يبغي مظلمة عنده، وقال له: إن لي مظلمة وإن القاضي لم يُنصفني فيها. وحين سمع منه مظلمته أتى بالقاضي مستوضحًا منه الأمر، وكيف أنه لم يُنصف الرجل في مظلمته، فقال له القاضي: إن مظلمته ليست عندي، وإنما هي عند الوسيط (بمكانة نائب رئيس الوزراء في زمننا)، فأحضر الحاجب المنصور الوسيطَ وقال له: اخلع ما عليك من الثياب (يقصد ثياب التميز والحُكم)، واخلع سيفك، ثم اجلس هكذا كالرجل البسيط أمام القاضي. ثم قال للقاضي: الآن انظر في أمرهما. فنظر القاضي في أمرهما، وقال: إن الحقَّ مع هذا الرجل البسيط، وإن العقاب الذي أقضيه هو كذا وكذا على الوسيط. فما كان من الحاجب المنصور إلاَّ أن قام بإنفاذ مظلمة الرجل، ثم قام إلى الوسيط فأقام عليه أضعاف الحدِّ الذي كان قد أوقعه عليه القاضي، فتعجَّب القاضي، وقال للمنصور: يا سيدي؛ إنني لم آمر بكل هذه العقوبة. فقال الحاجب المنصور: إنه ما فعل هذا إلا لقُرْبِه مِنَّا؛ ولذلك زدنا عليه الحدَّ؛ ليعلم أن قربه منا لن يمكِّنه من ظلم الرعيَّة


 


رد مع اقتباس