الموضوع: محاكمة مستعجلة
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 01-23-2011

مطلع الشمس غير متواجد حالياً
Saudi Arabia     Male
قـائـمـة الأوسـمـة
الإبداع

وسام

الحضور الدائم

كاتب شامخ

لوني المفضل Darkgreen
 رقم العضوية : 7
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5118 يوم
 أخر زيارة : منذ 3 أسابيع (09:31 AM)
 الإقامة : جدة
 المشاركات : 6,040 [ + ]
 التقييم : 63
 معدل التقييم : مطلع الشمس will become famous soon enough
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي محاكمة مستعجلة



عندما تمسح الذكرى من مساحات الفكر والخيال ، وتزال الصورة من الخيال وتمسح معالمها من تحرق على رصيف الماضي السحيق ، ثم تفرك على راحة اليد ويذر رمادها في الهواء ، فهل كان ذلك التصرف الجائح والحكم الصادر نتيجة محاكمة مستعجلة ، دارت أحداثها في أروقة المحكمة دون القاعة ، ودون حضور المتخاصمين والمستمعين والمدافعون ، والمدعون ، ولم يدخل المتهم إلى قفص الاتهام رسمياً وإنما تم الحكم عليه عرضاً ، وفي لحظة حاسمة وهو لم يدر عن جريمته أصلاً ، ولم يسمع مدع ولا شهادة شهود إثبات أو نفي ، وإنما تلقى الحكم وقرأه في صك طويل عريض .

لقد أصدر الحكم وانتهى ودخل حيز التنفيذ ، دون إعطاء المحكوم حقاً للنقض أو الاستئناف ، لأنه كان حكماً عاجلاً نهائياً ، تفرق الجمع واستقبلوا أحداث الحكم في أروقة المحكمة وفي ساحاتها الخارجية ثم ذهبوا وعادوا من فورهم وقد انطبعت معالم الحكم وثبتت لديهم إدانة المتهم ولم يفكروا في مخارج له ولم يكلفوا أنفسهم في تناول الحديث فيما بينهم للانتقاد أو الاستغراب ، أو حتى تداول النقاش في حيثيات الحكم وقرار تلك المحكمة التي لا أستطيع إلا أن أقول عنها أنها ظالمة متسرعة في الحكم فأصابت بريئاً في مقتل ، ورمت به في أتون المعاناة وغياهب الظلم .

كل الأحكام قابلة للاستئناف والنقض ، والمراجعة والمداولة والبحث عن سبيل للخروج من الحكم الجائر إلى التخفيف أو الإلغاء النهائي ، إلا تلك المحاكمة فقد كانت نهائية وقاصمة رغم أنها كانت محاكمة حب وحبيب يحكم ومحب يتلقى الحكم وينصاع له ثم ينفذه رغماً عنه بحكم الزمن والمسافات والفواصل الزمنية والجغرافية ، فلم يكن المحكوم قريب من هيئة الحكم حتى يناقش ويستجدي ويستعطف فيضلة القاضي لعله يصفح ويعفو ، فلم يكن بيده إلا أن يقرأ الحكم عن بعد ثم يحني ظهره احتراماً وانصياعاً ، ويطأطئ رأسه استكانة وقلة حيلة ، ورضى بالأمر الواقع .

ثم ذهبتْ بعد ذلك ، وتوارت في ضباب الزمن ، وعجاج الأيام ، ورحلت مع رياح الماضي ، وتوارت في غياهب المستقبل ، وأفلت مع شمس آخر يوم في دنيا الحب والغرام ، التي أبدعتها الكلمات ، وعبرت عنها المعاني ، واستجابت لها النفس وتناغم معها الخيال ، وارتسمت معالمها في الذاكرة واصبحت آثارها نقشاً على جلمود الماضي ، وحطاماً من سقط المتاع ، أو هشيماً تذروه الرياح .

وبقي هناك على قارعة طريق الانتظار ، ودهاليز الأمل ، يتردد بين جدرانها ، ويترنح على آكامها وتلالها ، يسير تارة ويتوقف تراة أخرى ثم يجوب الطرقات والفضاء بنظرة فاحصة ، ملؤها الأمل المشوب باليأس ، والفرح المدفون بين طيات الترح ، فلا يرى إلا آفاقاً واسعة وقفاراً شاسعة تنتظر سالكها لتطويه بين رمالها وتغيبه عن الآمال ، وتحتظنه في جوفها فيموت شهيداً في صحراء الفقد والصد ، والبعد . بعدما كان يتلو صوات الحب في محرابها ، ويرتاد معبدها وما به من إشراك وليس ليعبدها ولكنها ترتيل الحب وأسفاره ، يتلوها كل صباح ومساء حتى تبقى محفوظة في جوفه وفي فكره وعقله ، فيزداد طغياناً في الحب والهوى .
لم أعد في مساحاتها ، وأزالت صورتي من ذكرياتها ، وأفرغت مني عقلها ، وفصلت عني كيانها ، واخترقت أضلعي بحكمها فاخرتقتها ثم انتزعت مضغة بينها بقوة بعد صدور حكمها فذهبت به معها وتركت بعده جسداً دون قلب ، وروحاً تائهة في سمائها تبحث عنها بين النجوم وفوق طيات الضباب .

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك




lph;lm lsju[gm





رد مع اقتباس