عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 08-17-2010
أبو خلدون غير متواجد حالياً
Saudi Arabia    
لوني المفضل Darkgreen
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5111 يوم
 أخر زيارة : 06-01-2020 (05:26 AM)
 الإقامة : جـــــــــــدة
 المشاركات : 4,523 [ + ]
 التقييم : 11
 معدل التقييم : أبو خلدون is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي من الخطاب إلى الغياب ( صراع بين الكينونة واللاوجود ) .



من الخطاب إلى الغياب

( صراع بين الكينونية واللاوجود )


إنها السنن تخط أقدارنا وتحدد مسارها ، وترسم طريقنا على شرعتها ومنهاجها ، لا يحيد عنها أحد ولا يستطيع أن يعذلها أو يغير في قوانينها ، أقدار كتبت في الأزل وآمال نتطلع إليها ونسير نحوها على عجل ، فمنا من يجدها ومنا من يراها قد عادت إلى غياهب الأزل ، وصارت عنه في معزل ، فيقف مكانه في حيرة ووجل ، لا يستطيع أن يصل إليها ولو كثرت لديه الحيل .

كنت أخاطبها بأناجيكِ وأعشقها بأعشقكِ ، وأحبها بأحبكِ ، وأهواها بأهواكِ ، وأغار عليها بأغار عليكِ ، حتى اندمجت الروح في عالم الخيال بخيال أمل وصنعت منه كينونة موجودة تسعى نحوها لتحظى بها وتحققها ، كانت الروح تسبح في عالمها وترفرف نحوها بجناحيها ، حتى تجدها في مكان ما من ذلك الفضاء الواسع ، كانت ترى روحها على خط الأفق البعيد ، تتوهج بضياء هادئ حالم ، كأنها كوكب دري ، فتهفو إليها كما تهفو الفراشة إلى بصيص الضياء وتحلق نحوه وتحط عليه ، أو من حوله .

فلما وصلت إليها وجدتها مجرد ضياء وهمي قد زالت عنه هدأته وروعته وضعف توهجه ، وبهتت صفحته ، فتقدمت إليه ومدت يدها لتلمسه وتتحسس جسدها وتشعر بدفئها ، فإذا به ظلمات ورعد وبرق ، كلما أضاء لها تقدمت نحوها خطوة وإذا أظلم توقفت مكانها ، حتى استعادت يدها فإذا بها قد احترقت ، ونظرت إلى تلك الروح قد ولت وهربت ، وتوارت من جديد ، وانطلقت إلى عالم اللاوجود ، وسكنت فيه إلى الأبد ، وتركت فضاءها بما فيه ، كانت تعيش فيه مجرد سراب تبدى في أرض خراب ، فعادت الروح منكسرة محترقة ، باهتة اللون شاحبة الوجه ، نحيلة الجسد ، خائرة القوى محطمة النفس ، خائبة الأمل .

فتحول الخطاب فأصبحت أناديكِ أناديها ، وأعشقكِ كنت أعشقها ، وأحبكِ كنت أحبها ، وأهواكِ كنت أهواها ، وأغار عليكِ كنت أغار عليها . وانقلب الخطاب من الخطاب إلى الغياب حتى انتهى تماماً وانكفأت النفس وعادت تلملم شعثها وتجبر كسرها ، وتحضن جسدها وتعزيها .

وهكذا انتهى ذلك الصراع الدائر بين أن تكون الكينونة موجودة أو يكون الوجود لا وجود فكانت الأخيرة ، وانتهت الكينونة وذابت في عالم اللاوجود .
فوداعاً لها أبدياً يبقى خالداً على مر العصور ، وإن أشرقت شمسها مرة أخرى ، فيكون جسراً مثلوما يخر عندما تريد العبور ، وسوراً عالياً وسداً منيعاً ، فقد عزت النفس وتعزت ، وضمدت جراحها وإن لم تندمل ، وبقيت تحت رماد الزمن تهيج في كل حين في صور من الذكرى المؤلمة ، وأحلام قاتلة ، وآمال باهتة غامضة .

ووداعاً أبدياً لا لقاء بعده كما ودع القيصر آسيا الصغرى بعدما لاح نور أضاءت له بصرى من أرض الشام ، ووداعاً كما ودع كسرى عرش فارس بعدما خمدت النيران وسقطت شرفات الإيوان ، ووداعاً ياملهمة كانت تتنقل بين سطوري كما تتنقل الفراشة بين الورود والأزهار . ووداعاً كما ودعت الروح الجسد وشخصت إلى بارئها .

وسلام عليها وإن رحلت ، وسلام عليها في غيابها ورحيلها ، وحياتها وموتها ، وفي الجب الذي هبطت إليه وفي العالم الذي انضمت إليه . - وسلام عليها يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث - مرة أخرى .

من مدونتي

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك




lk hgo'hf Ygn hgydhf ( wvhu fdk hg;dk,km ,hggh,[,] ) >





رد مع اقتباس