عرض مشاركة واحدة
قديم 01-05-2013   #2


الصورة الرمزية المؤيد
المؤيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 24
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 02-03-2015 (08:33 PM)
 المشاركات : 489 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: التاريخ الأموي بين الإجحاف والإنصاف



تقدم في التجارة والخدمات
وكان من مظاهر عهد القوة اهتمام الخلافة الأموية ببناء الأسواق في المدن التي أنشئت في ذلك العصر مثل: القيروان وتونس وواسط والمنصورة والرصافة وغيرها، وبدأ تخطيط هذه الأسواق وتصنيفها في هذا العصر.
كما عيّنت الدولة الأموية المشرفين على هذه الأسواق، وكان الواحد منهم يعرف باسم "المحتسب" وكان يعرف أيام الراشدين بـ "عامل السوق"، وقد اختيروا من أهل العدالة والمهابة والصرامة والخشونة في الدين والعفة عن أموال الناس، والمعرفة بالمنكرات الظاهرة، والعلم بأحكام الشريعة، وكان يدخل في نطاق عملهم مراقبة العبادات من صلاة الجمعة وصلاة الجماعة في المساجد، وإقامة الأذان وصيام رمضان، والمعاملات من التجارة وما يتصل بها من الموازين والمكاييل والنقود، وما يدخل فيها من الغش والبيوع الفاسدة والتدليس، ومراقبة الأطعمة والأشربة ومحلات تحضيرها وبيعها، والملابس والثياب والأقمشة، ومحلات الصياغة والصرافة، ونظام المرور، ومنع المضايقة والتعدي على الطرق والفنادق والحمامات، وغير ذلك مما يتصل بالمعايش والمصالح العامة للناس في المدينة، فكانوا يأمرون بالمعروف إذا ظهر تركه، وينهون عن المنكر إذا ظهر فعله، ويأخذ الناس بذلك.
ومن أبرز عهود القوة في الدولة الأموية عهد الوليد بن عبد الملك؛ إذ تمَّ في خلافته إعادة بناء مسجد الرسول وتوسعته من جميع النواحي، وإدخال حجرات أزواج النبي فيه، ولم يبخل في سبيل ذلك بمال، ليكون المسجد في أعظم وأبهى صورة، وعهد بهذه المهمة إلى ابن عمه وواليه على المدينة عمر بن عبد العزيز، فأوكل عمر مهمة الإشراف على بناء المسجد إلى صالح بن كيسان، وبعث إليه الوليد بالأموال والرخام والفسيفساء وثمانين صانعًا من الروم والقبط من أهل الشام ومصر.
أما مسجد دمشق فقد جعله الوليد آية من آيات العمارة الإسلامية، وبالغ في تزيينه وأبهته ليكون مظهرًا من مظاهر عظمة الإسلام، وأنفق عليه أموالاً طائلة حتى إن الناس انتقدوه على كثرة النفقات على بناء المسجد، فقال لهم: يا أهل الشام، لكم أربعة أشياء تفخرون بها، فأردت أن أجعل لكم خامسًا. وقد استغرق بناء مسجد دمشق كل عهد الوليد، وأتمَّ بناءه أخوه سليمان بن عبد الملك من بعده.


أقوى الخلفاء: الوليد بن عبد الملك:

وكما كان الوليد مهتمًّا ببناء المساجد، فقد اعتنى بتعبيد الطرق وبخاصة تلك التي تؤدي إلى الحجاز لتيسير السفر على الحجاج إلى بيت الله الحرام، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز في تسهيل الثنايا وحفر الآبار، وعمل الفوارة في المدينة، وأمر لها بقُوَّام يقومون عليها، وأن يُسقَى منها أهل المسجد.
وإذا كان عهد الوليد بن عبد الملك قد اتسم بالإصلاح والتعمير في الداخل، ففي الخارج شهد أعظم الفتوحات في الدولة الأموية، بل في التاريخ الإسلامي كله - بعد فتوحات الخلفاء الراشدين - وقد برز في عهده عدد من القواد العظام الذين اتصفوا بالجسارة والإقدام والتضحية في سبيل الله، فاضطلعوا بعبء الفتوحات في الشرق والغرب؛ ففي المشرق وقف الحجاج في العراق ناشرًا جناحيه إلى الجنوب الشرقي، إلى إقليم السند، فأرسل محمد بن القاسم الثقفي ففتح هذا الإقليم، وإلى الشمال الشرقي فيما وراء النهر، أرسل قتيبة بن مسلم الذي فتح هذا الإقليم الشاسع وأدخله تحت راية الإسلام.
أما في المغرب فقد تألق قائدان عظيمان هما: موسى بن نصير، وطارق بن زياد، اللذان فتحا الأندلس، كما اضطلع أخوه مسلمة بن عبد الملك وأبناؤه بمنازلة الدولة البيزنطية والضغط عليها، والاستيلاء على الكثير من حصونها وقلاعها في مناطق الحدود.
والخلاصة أن عهد الوليد كان عهد الرخاء الواسع والازدهار العظيم، نَعِمَ الناسُ فيه بالهدوء والاستقرار، والبناء والعمران في الداخل، ووصلت فيه حدود الدولة الإسلامية من مشارف بلاد الصين حتى الأندلس، وأصبحت بحق أقوى دولة في العالم وقتئذٍ.
وقد تُوُفِّي الوليد بن عبد الملك في منتصف جمادى الآخرة سنة 96 هـ، فخلفه أخوه سليمان بن عبد الملك.


سليمان بن عبدالملك:

وعلى نفس النهج كان سليمان بن عبد الملك؛ إذ كان ورِعًا تقيًّا، ويتضح ذلك من خطبه فلا تكاد خطبة من خطبه تخلو من حث الناس على التقوى والخوف من الله ومدارسة القرآن. وتتضح هذه السيرة الطيبة من هذه الخطبة؛ فعن جابر بن عون الأسدي، قال: أول ما تكلَّم به سليمان حين ولي الخلافة أن قال: "الحمد لله الذي ما شاء صنع، وما شاء رفع، وما شاء وضع، ومن شاء أعطى، ومن شاء منع. إنَّ الدنيا دار غرور. يا عباد الله، اتخذوا كتاب الله إمامًا، وارضوا به حكمًا، واجعلوه لكم قائدًا، فإنه ناسخ لما قبله، ولن ينسخه كتاب بعده".
كما اتخذ سليمان بن عبد الملك بطانة من صلحاء الرجال أمثال عمر بن عبد العزيز ورجاء بن حيوة وغيرهما، وقد أثر ذلك في سليمان بن عبد الملك تأثيرًا كبيرًا، فقد كان عمر بن عبد العزيز دائم التذكير بمسئوليته نحو رعيته؛ فيُروى أن سليمان بن عبد الملك حج بالناس سنة 97 هـ وهو خليفة، فلما رأى الناس بالموسم قال لعمر بن عبد العزيز: ألا ترى هذا الخلق الذي لا يحصِي عددهم إلا الله، ولا يسع رزقهم غيره. فقال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء رعيتك اليوم، وهم غدًا خصماؤك عند الله. فبكى سليمان بكاءً شديدًا، ثم قال: بالله أستعين.
وكان محمد بن سيرين يترحم على سليمان بن عبد الملك، ويقول: افتتح خلافته بخير وختمها بخير، افتتحها بإجابة الصلاة لمواقيتها، وختمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز.
وتُوُفِّي سليمان بن عبد الملك في مرج دابق، مرابطًا في سبيل الله في شهر صَفَر سنة 99 هـ، وبُويِعَ في اليوم نفسه لابن عمه عمر بن عبد العزيز.

عمر بن عبد العزيز (غرة الخلفاء):

أمّا غُرَّة خلفاء بني أمية، فقد كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله - رغم قصر مدته - إذ بدأها في صفر 99 هـ، وانتهت بموته رحمه الله في شهر رجب سنة 101 هـ، أي أنها استمرت حوالي سنتين وخمسة أشهر.


منهج مميز يحمل على العمل:

ومن أهم ما يميز منهج عمر في سياسته في الخلافة، حرصه على العمل بالكتاب والسنة، ونشر العلم بين رعيته، وتفقيههم في الدين وتعريفهم بالسنة، ومنطلق عمر في ذلك فهمه لمهمة الخلافة، فهي حفظ الدين وسياسة الدنيا به، فهو يرى أن من أهم واجباته تعريف رعيته بمبادئ دينهم، وحملهم على العمل بها، فورد عنه أنه قال في إحدى خطبه: إن للإسلام حدودًا وشرائع وسننًا، فمن عمل بها استكمل الإيمان، ومن لم يعمل بها لم يستكمل الإيمان، فلئن أعش أعلمكموها وأحملكم عليها، وإن أَمِتْ فما أنا على صحبتكم بحريص. كما أمر عماله أن يجروا الرواتب على العلماء؛ ليتفرغوا لنشر العلم، وانتدب العديد من العلماء لتفقيه الناس في الدين، فبعث يزيد بن أبي مالك ليفقه بني نمير ويُقْرِئَهم، وبعث نافع مولى ابن عمر إلى أهل مصر ليعلمهم السنن، وكان قد بعث عشرة من الفقهاء إلى إفريقية يفقهون أهلها.


اهتمامه بالعلماء وإحساسه بالفقراء:

ولم تنحصر مهمة هؤلاء العلماء في التعليم فحسب، بل منهم من أسند إليه بعض الولايات، ومنهم من تولى القضاء وأسهم أكثرهم - بالإضافة إلى نشر العلم - في مجال الدعوة والجهاد في سبيل الله، وهذا الاهتمام الذي تميز به منهج عمر لتعليم الناس، وتفقيههم بأمور دينهم له أبعاد سياسية وآثار أمنية، ذلك أن نشر الوعي الديني الصحيح والفقه بين أفراد الرعية له أثر في حماية عقول أبناء الأمة من عبث الأفكار التي ينعكس خطرها على الاستقرار السياسي والأمني، كأفكار الخوارج وغيرهم.
كان عمر بن عبد العزيز يدرك عظم الأمانة الملقاة على عاتقه، وأنه مسئول عن كل فرد في رعيته؛ فلذلك نجده دائم التفكير فيما يصلحهم، فقد أهمه وقوفه بين يدي ربه، وماذا يقول له إذا سأله عنهم يوم القيامة، فيذكر ابن كثير: أن زوجته فاطمة بنت عبد الملك دخلت يومًا عليه وهو جالس في مصلاه واضعًا خده على يده ودموعه تسيل على خديه، فقالت له: ما لك؟ فقال: ويحك يا فاطمة! قد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت، فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، واليتيم المكسور، والأرملة الوحيدة، والمظلوم المقهور، والغريب الأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم يوم القيامة، وأن خصمي دونهم محمد ؛ فخشيت أن لا تثبت لي حجة عند خصومته، فرحمت نفسي فبكيت.



إداري متمرِّس يحسن التصرف:

تعتبر سياسة عمر بن عبد العزيز الداخلية من أهم الجوانب في خلافته، فقد كان عمر بن عبد العزيز إداريًّا فذًّا، ولا عجب في ذلك فقد عركته تجربة الإدارة منذ أن كان واليًا على خناصرة والمدينة، ثم تكاملت عناصر التجربة بعد أن أصبح من أقرب الناس إلى سليمان بن عبد الملك، يرقب الحوادث عن قرب، ويتمرس على شئون الدولة، وتسيير دفَّة الحكم فيها، وما أن تولى مقاليد الخلافة حتى ذهب يبذل كل جهده، ويُفني ما تبقى من عمره في إصلاح أمور الدولة، واستقرار الأمن والرخاء في ربوعها، وتحقيق العدالة والكفاية في كل أرجائها، وقد اتخذ لذلك منهجًا كان من أبرز معالمه الحرص على مال المسلمين، والمحافظة على الوقت والجهد، وسرعة التصرف في الأمور، وحسن اختيار القضاة والولاة والموظفين، وإزالة آثار كل عمل لا يساير روح الإسلام، وتحقيق التوازن بين الناس، ومجادلة الخارجين على الدولة بالحسنى لإقناعهم وردهم إلى حظيرة الجماعة، كما كان الطابع لهذا المنهج هو العدل والإنصاف والرحمة والإحسان.
كما كان لعمر بن عبد العزيز وقفته في السياسة الداخلية؛ ليعيد ما أعوجَّ من الأمور إلى نصابه، ويحاول إصلاح ما رآه انحرافًا عن الجادة سواء في الناحية الإدارية أو المالية أو غيرها، كذلك كانت له وقفة مماثلة في السياسة الخارجية، فقد رأى أن مساحة الدولة قد اتسعت، وأن أطرافها قد ترامت وتباعدت، ولعل كثيرًا من المشاكل والأخطاء التي وقع فيها بعض الولاة قد نشأت عن هذا الاتساع الكبير في مساحة الدولة، فكل إقليم كان يضيف إلى مشاكل الدولة عبئًا جديدًا، فرأى أنه من الحكمة إيقاف الفتوحات، أو الحد منها على الأقل؛ لأن التوقف عند حدود ما فُتح من بلاد وأقاليم، والعمل على حَلِّ مشاكلها، وعرض الإسلام عليها بأسلوب حكيم دقيق، وقدوة حسنة، سوف يكون أجدى من المضي في الفتوحات، بل ربما لا تكون هناك حاجة بعد ذلك إلى فتح جديد؛ لأن الناس سيقبلون على الإسلام من تلقاء أنفسهم، لأنهم سيجدون فيه كل ما يرضيهم، روحيًّا وماديًّا، وما يحقق سعادتهم في الدنيا والآخرة، وقد تحقق ما تصوره في ذلك وزادت حركة الإقبال على الإسلام في البلاد المفتوحة في عهده زيادة كبيرة، وأخذ عمر في إرسال الدعاة من خِيرَة العلماء ليدعوا الناس إلى الإسلام، بدلاً من إرسال الجيوش للفتح، كما بدأ يرسل الكتب إلى الملوك والأمراء المعاصرين يدعوهم إلى الإسلام، فأرسل إلى أمراء ما وراء النهر، وإلى ملوك السند، يدعوهم إلى الإسلام والطاعة على أن يملكهم على بلادهم، ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، فلما وصلتهم رسائله وكانت قد بلغتهم سيرته وعدله؛ فقبلوا وأسلموا، وتسمَّوا بأسماء عربية.
لم تطل حياة عمر بن عبد العزيز طويلاً، فقد اختطفته يد المَنُون ولم يتجاوز الأربعين من عمره، ويبدو أن انهماكه في أمور المسلمين ومتابعة السهر والعمل في شئون الدولة، وعدم اهتمامه بأمر طعامه وشرابه، قد أثَّر في صحته فلم يعد جسمه يقوى على المقاومة والاحتمال.
وقد تُوفِّي عمر بن عبد العزيز في شهر رجب سنة 101هـ، وتولى الخلافة بعده ابن عمه يزيد بن عبد الملك.

مروان بن الحكم:

كانت هذه هي مميزات عهد القوة في الدولة الأموية، أمّا عهد الفتنة الذي تخلَّل عهدي القوة فقد بدأ بموت يزيد بن معاوية، ثم تنازل ابنه معاوية بن يزيد عن الخلافة؛ لرفضه مبدأ التوريث، واعتزاله الكامل في بيته حتى توفي بعد أيام أو أشهر، ومن هنا حدث فراغ في الحكم أسفر عن العديد من الصراعات بين أجنحة البيت الأموي بينهم وبين بعض، في الوقت الذي أعلن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما نفسه خليفةً، وبايعه أغلب الولايات الإسلامية؛ حتى استطاع الأمويون الاتفاق فيما بينهم، وبايعوا مروان بن الحكم بالخلافة في مؤتمر الجابية في ذي القعدة سنة 64هـ.
كان مروان بن الحكم من سادات قريش وفضلائها، وقد قاتل يوم الدار قتالاً شديدًا، وقَتَلَ بعض الخوارج، وكان على الميسرة يوم الجمل، وكان علي بن أبي طالب يكثر السؤال عن مروان حين انهزم الناس يوم الجمل، يخشى عليه من القتل، فلما سُئِلَ عن ذلك قال: إنه يعطفني عليه رحم ماسَّة، وهو سيد من شباب قريش.
بعد أن استقرت الأمور لمروان في بلاد الشام، توجه نحو مصر لاستردادها من الزبيريين، فدانت له بالطاعة، وأقام مروان بن الحكم في مصر نحو شهرين ثم غادرها في أول رجب سنة 65هـ بعد أن وطَّد أمورها وأعادها ثانية للحكم الأموي، كما ولَّى عليها ابنه عبد العزيز وزوَّده بالنصائح المهمة، ثم قفل راجعًا إلى بلاد الشام.

عبد الملك بن مروان:

وقد توفي مروان بن الحكم بدمشق لثلاثٍ خلون من شهر رمضان سنة 65هـ، وهو ابن ثلاث وستين سنة، وذلك بعد عودته من مصر، وتولى ابنه عبد الملك الخلافة من بعده.
كانت شرعية خلافة عبد الملك بن مروان -وما زالت- محل خلاف بين علماء المسلمين، إذ في حين يعتبرها بعضهم شرعية، وأنه هو الخليفة الشرعي، يراها كثير منهم غير شرعية؛ لأن أغلب المسلمين قد بايعوا ابن الزبير قبله، فضلاً عن أفضلية عبد الله بن الزبير الصحابي الجليل عليه، وحسب هذا الرأي يُعتَبَر عبد الملك خارجًا على الخليفة الشرعي. ومن العلماء من توسَّط في الأمر كالسيوطي، فاعتبر ابن الزبير الخليفة الشرعي، فلما قُتِل صحت خلافة عبد الملك.

الحجاج يضرب الحرم بالمجانيق:

كانت بداية الحكم صعبةً على عبد الملك؛ إذ واجه ثورات عديدة، كان أهمها ثورة التوابين، والتي استطاع أن يقضي عليها في معركة غير متكافئة في عين الوردة، قُتِلَ فيها معظم التوابين، وزعيمهم سليمان بن صرد، وكان ذلك في ربيع الآخر سنة 65هـ، ثم واجه ثورة المختار الثقفي، وتمكن المختار من هزيمة عبيد الله بن زياد وقتله، فتريث عبد الملك في مواجهته مرةً أخرى، وترك لابن الزبير تلك المهمة حتى يُضعِف الطرفين، وبالفعل حاصره مصعب بن الزبير في قصره بالكوفة، وقتله سنة 67هـ. بعد ذلك حانت المواجهة بين عبد الملك وعبد الله بن الزبير، وتمكن عبد الملك من الانتصار على مصعب بن الزبير أولاً، ثم أرسل جيشه بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي وحاصر عبد الله بن الزبير في مكة، وتجرَّأ الحجاج فضرب الحرم بالمجانيق؛ معتبرًا أن ابن الزبير بالتجائه إلى الحرم ممن يلحدون فيه، وظل القصف مستمرًّا، ولم يتوقف إلا لأداء الحُجَّاج للمناسك، ثم عاد مرةً أخرى، حتى استسلم كثير من أتباع ابن الزبير، وتخلَّوا عنه، وطلبوا الأمان من الحَجَّاج، فأعطاهم إياه، ثم استُشهِد ابن الزبير في السابع عشر من جمادى الأولى سنة 73 هـ، وبذلك انتهت دولته التي استمرت حوالي تسع سنين.
جهود اقتصادية غير مسبوقة:

كان عبد الملك إداريًّا نابغة، وكانت خلافته نقلة عظيمة في تاريخ المسلمين من حيث عودة الاستقرار، وإعادة الوحدة إلى ربوع الخلافة، والارتقاء بسياسة الدولة الإسلامية، وتكوين مؤسسات، ونشر الإسلام على نطاق واسع.
وكان من جهود عبد الملك في إرساء دعائم الوحدة والاستقرار في الدولة الإسلامية، إصدار عملة إسلامية لأول مرة وتوحيد أوزانها، ضمانًا للعدالة.
وكانت هذه خطوة حضارية كبيرة، فقد حررت اقتصاد الدولة الإسلامية من الاعتماد على العملات الأجنبية، وبصفة خاصة الدينار البيزنطي.
ومن الأعمال الباهرة لعبد الملك تعريب دواوين الخراج، والذي كان العمل فيه حكرًا على غير العرب، وكان هذا وضعًا شاذًّا، فجاءت خطوة عبد الملك لتصحح الوضع، وتفتح المجال أمام العرب المسلمين للعمل في هذا الديوان، والتدريب على شئون المال والاقتصاد، وكانت تلك الخطوة ذات أثر حضاري كبير في التاريخ الإسلامي.
وقد تُوُفِّي عبد الملك في النصف من شوال عام 86 هـ، واستخلف من بعده ابنه الوليد، ثم من بعده ابنه الثاني سليمان.


ضعف وسقوط الدولة الأموية:

بقي أن نتحدث عن عهد الضعف الذي استمر آخر سبع سنوات من عمر الدولة، فقد تميز بالصراع بين أمراء البيت الأموي، الأمر الذي وصل لخروج بعضهم على بعض، وتدبير المؤامرات، وقد أثمر ذلك إهمال مرافق الدولة والجيش، وبالتالي توقف حركة الجهاد، وفساد الأوضاع في أنحاء الدولة الشاسعة، والانشغال عن إجهاض تحركات العباسيين؛ حتى سقطت الدولة على أيديهم بمقتل مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين سنة 132هـ.
وفي نهاية القصة لا بد من معرفة أسباب سقوط الدولة الأموية بعد قوتها، ومن هذه الأسباب:
1- انقلاب الخلافة الإسلامية إلى الملك العضوض (الوراثي).
2- تولية العهد لاثنين في وقت واحد.
3- ظهور روح العصبية.
4- تخلِّي خلفاء بني أمية عن القيادة الدينية.
5- النزاع بين أبناء البيت الأموي.
6- الخلافات المذهبية بين أنصار بني أمية وأغلبيتهم من السنة، وأنصار العلويين من الشيعة، وجماعة الخوارج، وجماعة العباسيين.
7- إهمال الخلفاء الأمويين لانتشار الدعوة العباسية.



 


رد مع اقتباس