ما زال " التاريخ العربي الإسلامي " يمثل قطاعا خطيرا من مقومات فكرنا وأسسه التي طالما واجهت عواصف التغريب وحملات الغزو التي عملت على تحويلها عن قيمها ولبابها، ولقد كان تاريخنا ولا يزال عاملا هاما في بناء ثقافتنا وخلق وحدة الفكر وتعميقها، وهو في هذه المرحلة التي نمر بها اليوم – مرحلة ما بعد انتهاء الاحتلال العربي، وبناء نهضته التي تزعج النفوذ الأجنبي على النحو الذي يتمثل فيه القضاء عليه مما دعاه إلى تعميق الغزو الفكري وتوسيع نطاق التغريب والشعوبية – ولاشك كان التاريخ عاملا هاما في بناء الفكر العربي الإسلامي وأداة من أدوات دفع هذه الأمة إلى الحياة والقوة والتطور.
ولقد كانت حملة التشكيك الضخمة التي وجهت للتاريخ العربي الإسلامي. خلال مائة عام مضت عاملا بعيد المدى في هبوط روح الإيمان بقدرتنا على إحراز مكاننا الحق في الحياة الإنسانية. فقد وجهت إلى تاريخنا سهام النقد وفرضت نظريات مريبة تحاول هدمه وإثارة الشبهات في بعض مواقفه من أجل صرف الأنظار عنه، أو خلق نظرة من الريبة والكراهية والتنفير منه. بينما غلت الدعوة إلى الاهتمام بالتاريخ الغربي والتوسع فيه وتقديمه في صور رائعة مغرية، وقد أتاحت دعوة التغريب للعالم الإسلامي أن تقدم له عشرات الأبحاث والدراسات في تاريخ فرنسا وانجلترا وهولندا وعمت الصحف العربية والإسلامية في حملة متصلة لا تتوقف في دراسات متصلة لاعلام الوطنية والسياسية والفكر والاجتماع في الغرب، تحمل في تضاعيفها التقدير والإعجاب والتحليل لحياة هؤلاء وآرائهم وأعمالهم على نحو يدعو إلى الإكبار والإجلال، بينما لم يجد أعلامنا وأبطالنا ولا مواقفنا الخالدة ولا بطولاتنا مثل ذلك، ولا أمكن أن يتفرغ لها كتابنا الذين أهمهم نابليون وبسمارك وتشرشل ووشنطون وماركس وفرويد.
بل ان الثورة الفرنسية لو احصي ما كتب عنها في الصحف المصرية في خلال نصف قرن لزاد عما كتب عن الثورة العرابية وثورة 1919 ولو احصي ما كتب عن نابليون لزاد عما كتب عن مصطفى كامل ومحمد فريد.
أما في الجزائر والمغرب وتونس فإن الموقف يكون أشد عنفا، فقد حيل بين هذه الأجزاء من الوطن العربي أن تتصل بالتاريخ العربي الإسلامي ولقد اتصلت دعوات التاريخ وتعمقت لدراسة العصور الأولى، فحرص النفوذ الأجنبي في العالم العربي على دراسة الفرعونية والبابلية والأشورية وحضارة الرومان واليونان وتاريخهما ثم حضارة الغرب منذ أول عهد النهضة وثورات انجلترا وفرنسا وأمريكا. ولسنا نعارض في دراسة حضارات العالم أو تاريخ البشرية فذلك مصدر من مصادر الثقافة لا حد له، ولكننا ننظر إلى الهدف منه، حين يصادر تاريخ الأمة العربية والدولة الإسلامية ويحدد أو يحرف أو ينظر إليه الا من خلال تاريخ الملوك والصراع بين الأمراء والحكام، وفق مخطط يستهدف المقارنة التي تقضي إلى احتقار تاريخنا والإعجاب بتاريخ الأمم الغالبة المسيطرة الحاكمة، ومن هنا تنشأ روح الموالاة للغاصب والسير في ركابه، والإغضاء والنفرة من تاريخنا وأمجادنا التي لا تبدو في نظر الأجيال إلا صورة من الصراع والخصومة والمواقف المشتبهة أو الغامضة.
وليس شك أن في تاريخ كل لغة ودولة مواقف نقص وقصور ولكنها في مجملها لا تستطيع أن تقضي على عظمة هذا التاريخ ومكانته ودوره وأثره في المدينة الإنسانية والحضارة البشرية.
* * *
وقد واجه " التاريخ " العربي الإسلامي محاولة ضخمة ذات شقين للقضاء عليه أما التشكيك فيه
" الأولى " وجهت إلى منهجه و " الثانية " وجهت إلى مضمونة.
فقد هاجمت الحملة أسلوب كتابته وعمدت الثانية إلى التشكيك في بطولاته ومقوماته. وذلك بإبراز الروايات الضعيفة واذاعتها، أو اختيار مواقف معينة أو شخصيات ذات طابع خاص لدراسة التاريخ العربي الإسلامي من خلالها أو اتخاذها نموذجا له.
وقد اعتمد الغربيون من المستشرقين في هذا على كتابات قديمة ومؤلفات كتبها من قبل قدماء الشعوبيين في حملتهم الضارية على العربية والإسلام وكانت قد قوبلت بردود علمية ومسنده من كتاب ومفكرين لهم خطرهم ومكانهم شارك فيها الجاحظ وأبو حيان التوحيدي وغيرهم.
ومن مقدمة ما اعتمد عليه دعاة التغريب في محاولة تصوير تاريخنا العربي الإسلامي تلك الكتب التي لم تؤلف للتاريخ والتي تناولت الشعراء والقصاصين ومجالس الشراب واللهو، وفي مقدمتها " الأغاني " لأبي الفرج الفرج الاصفهاني وألف ليلة ورباعيات الخيام وتراجم السهروردي وابن عربي وابن الراوندي وما نسب إلى المعري وأبي نواس وبشار ابن برد والضحاك، ومن خلال هذه النصوص حاول بعضهم تصوير العصور بصورة الشك والمجون على النحو الذي نقله طه حسين في كتابه حديث الأربعاء.
وفي الجانب الأخر وجه الهجوم العنيف إلى كل من كان ذا فضل أو عبقرية في التاريخ العربي الإسلامي كالمتنبي الذي وصف بأنه من غير أب، وابن الرومي الذي وصفت عقليته بأنها فارسية والمعري الذي نسبت رسالته الغفران إلى الرهبان وابن خلدون الذي وصف بأنه تلميذ اليونان.
هذا فضلا عما أضيف إلى تاريخنا العربي الإسلامي من إسرائيليات و أقاصيص وأكاذيب فقد كتب أغلبه في ظل الدولة العباسية التي كانت فارسية النزعة ذات سيطرة على فكرها وكتابها، وكانت تحمل البغض للأمويين وللعرب، وقد غلب الشعوبيون على كتاباتها ولفقوا الأحداث والأقاصيص، وكثير من الكتاب والمؤرخين قد اتصلوا بالأمراء والملوك والولاة والخلفاء، وكان بعضهم في ظل هذا المذهب أو ذاك من مذاهب الفكر التي كانت في حقيقتها أحزاب سياسية كالمانوية والبابكية والخزمية وغلاة الشيعة وأتباع الشعوبية وقد كان أبو الفرج الاصفهاني صاحب الأغاني من أقذع الناس لسانا يخشاه الأمراء ويرد موائدهم بملابسه القذرة ورائحته النتنة، فلا يستطيعون رده أو مخاصمته خوفا من لسانه وقلمه، وكان إلى ذلك شعوبيا ومتهما في عرضه وخلته وعقله، ومع ذلك يصبح كتابه الأغاني مرجعا يحرص المستشرقون وأتباعهم على أن يكون مصدرا تاريخيا من مصادر الحكم على القرن الثاني والثالث فيوصف بأنه عصر فسق ومجنون، ويتخذ من ثلاثة أو أربعة من الشعراء الزنادقة المنحلين رمزا للعصر كله، دون أن تضاف إلى ذلك حلقات العلم أو دراسات أهل الفضل وحفظة القرآن والحديث والشريعة وهم الذين يمثلون القطاع الأكبر من المجتمع.
وقد قدم كتاب الأغاني للملوك متعة، وكتب أساسا ليكون عامل ترف للأمراء، ولاشك أن بروز الدعوة في فكرنا العربي الحديث إلى إعادة ما سطره الشعوبيون من اتهامات ومغالطات للتاريخ الإسلامي إنما برز في ظل هدف كبير من أهداف التغريب والغزو الثقافي وحمل لواء دعاة وجهوا لهذا العمل.
واتخذت لهم حركة التغريب مذاهب في الفكر الغربي تهاجم التاريخ عموما ولا تعترف به، وتستمد مفاهيمها لمهاجمته من مذهبها في النظرة المادية الدارونية والتفسير المادي للتاريخ وهي ليست إلا نظرية من نظريات عدة يضطرم بها الفكر العربي في عداء التاريخ وخصومته أو الإيمان به وتقدير مكانته ولكن دعوة التغريب تطمس دائما هذا الجانب ونفرض أن هذا هو الرأي، وكذلك فعلت حين هاجم فكرنا العرب الإسلامي بعض كتاب الغرب، ثم أولاه التقدير عدد آخر من كتاب الغرب، ومع ذلك فقد أذيعت نظريات خصوم فكرنا ووسع نطاقها واحتفل بأحد دعاتها " رينان " في الجامعة المصرية في القاهرة، بينما نظر في إغضاء إلى الذين أنصفوا فكرنا وتاريخنا.
* * *
ونظرية التغريب إلى التاريخ العربي الإسلامي تحاول أن تشكك في التاريخ وتحوطه بعوامل التهوين ونحن لا ندعو إلى تقديس التاريخ أو وضعه فوق النقد وإنما ندعو إلى النظر المنصف الذي لا يحمل في أعماقه الحقد أو الخصومة.
ولذلك فإننا نقبل نقد التاريخ العربي الإسلامي وإعادة كتابته وتصفيته من كل ما علق به من زيوف ولكن ليس بأيدي دعاة التغريب وإنما بأيدي المنصفين، وهنا يبرز علم الجرح والتعديل في معرفة الرجال الذين يتصلون بهذه الأعمال الخطيرة البعيدة المدى في إرساء مقومات فكرنا العربي الإسلامي، فإننا في أساس النظرة المنهجية نؤمن بالتحقيق العلمي الذي يجعل من أول مفاهيمه وأكبر مقوماته " الرجل " الباحث ومدى إيمانه بأمته وفكرها فإذا كان من دعاة التغريب أو في تاريخه ما يشوب فإن كل ما يقوله في تاريخنا يحمل على محمل الاتهام والجري في ظل حركات الشعوبية والتغريب.
ومن هنا كانت دعوة بعض دعاة التغريب إلى النقد التاريخي تتصل أول ما تتصل بالكتاب الذي يحملون لواءها، وإذا كان أمامي كاتبين أحدهما مؤمن بالفكر العربي الإسلامي صادق في نظرته، لم يتأثر دعوى التغريب والشعوبية وآخر عرف بماضيه في متابعة مفكري الغرب والدعوة إلى القضاء على مقومات فكرنا في الدين أو اللغة أو التاريخ فعلينا أن نقبل من الأول ونرد الثاني.
ويقرر دعاة التغريب في النظر إلى التاريخ العربي الإسلامي أن مذهب تقديس السلف وتنزيهه عن الصغائر، ومذهب إسباغ الدين على طور من أطوار التاريخ خطأ ويرون أن الأمم في بعض ظروف ضعفها تحاول وهي بسبيل استرداد مجدها القديم أن تكبر من تاريخها وماضيها وتجل أصحابه وتتخذهم مثلا عليا. وعندنا أن هذا ليس عيبا وأن مراحل الضرورة تحتاج فعلا إلى استغلال التاريخ كقوة دافعة دون أن يكون ذلك على حساب حقائق التاريخ نفسها أو تحريفها.
ولكن دعاة التغريب الذين يعرفون ذلك لا يتوقفون عن الإسراع في ضرب هذا الهدف من أهداف الأمم التي تحاول أن تتخذ من تاريخها وأمجادها قوة لليقظة والحركة ومقاومة الغاصب. وإذا هم يسرعون فيوجهون الضربات لهؤلاء الكتاب من ناحية، ويقدمون صورا لها قوة الذيوع والانتشار تحمل صور التدمير للعصور الزاهرة والبطولات والمواقف الحاسمة.
وهذا ما حدث بالفعل، فإننا في الثلاثيات حاولنا أن نجعل من تاريخنا العربي الإسلامي وسيلة لدفع الأمة العربية والعالم الإسلامي إلى اتخاذ بطولات تاريخه سبيلا لمقاومة الغزو ولاستعادة الثقة في أمتنا وقيمنا ومقدراتنا، بعد أن حاول النفوذ الفكري الغربي المجسد في التغريب اتهامنا بأننا لم نكن إلا أمما تجتاحنا الدول من فرس وروم وعرب – أي والله والعرب اعتبرهم التغريب غزاة – هنا قام أمثال الدكتور طه حسين فحاول أن يصور العصر الثاني والثالث للهجرة على أنه عصر شك ومجون: فإذا قام من يعارضه كالمؤرخ الإسلامي رفيق العظم هاجمه في عنف، وقال له أن تاريخ منفصل عن الوطنية ومنفصل عن الدين. وأن محاولة تقديسه محاولة مضللة وأنه من النظر إلى تاريخ نظرة مجردة، تشيع فيها الشكوك والاتهامات.
والواقع أن الأمم في علاقتها بالتاريخ تمر بمرحلتين (1) الضرورة والبناء وفيها يصبح التاريخ وسيلة فعالة وسلاحا هاما، وهذه هي مرحلة الضرورة التي تقاوم بها الأمة الغزو الفكري والتغريب والشعوبية ونحن في العالم الإسلامي والعربي نمر الآن بهذه المرحلة.
مرحلة الاستقرار : وهذه يعاد خلالها النظر في التاريخ فيصفي من كل عوامل الخطأ والتزييف على النحو الذي يخلق منه التاريخ علميا.
ولذلك فإن دعوة الأمم إلى طعن تاريخها وتمزيقه وتعريته وإثارة الشبهات حوله في ظل معركة البناء ومرحلة الضرورة، لاشك أنه عمل من أعمال الشعوبية، ونحن في هذا لا نأخذ نظريات من عشرات النظريات في الفكر الغربي لتكون قاعدة نحكم على أساسها أو تفرض علينا، دون تقدير لعدة عوامل، أهمها : أن مقومات الفكر العربي الإسلامي تقوم على أساس امتزاج عناصر اللغة والدين والتاريخ والتراث ولا يمكن فصل عنصر منها، فالدين مرتبط باللغة، والتاريخ مرتبط بالدين وكذلك شأن الثقافة والتراث وهذا الفصل عمل وهمي إذ لا يمكن فعلا فصل القيم المتشابكة الممتزجة أساسا.
ومن هنا حمل طه حسين على أحمد زكي " باشا " في دعوته إلى إحياء أمجاد العرب، وحمل لواء تأكيد فرية حرق العرب لمكتبة الإسكندرية، وعندما تحول الدكتور هيكل عن هذه المفاهيم ودعا إلى إحياء الفكر العربي الإسلامي كوسيلة من وسائل النهضة واعترف بأنه حاول أن يوقظ مصر والعالم العربي عن طريق الفكر الغربي ثم عن طريق الدعوة الفرعونية ففشل في كليهما ولم يجد سبيلا لليقظة إلا عن طريق الفكر العربي الإسلامي، عندما فعل هيكل هذا هاجمه طه حسين بعنف واتهمه بقصر النظر (2)
* * *
ولقد كانت حملة دعاة التغريب على " تقديس التاريخ " لا تهدف إلى تنقية التاريخ وإنما التشكيك فيه، وعلى أساس قانون الجرح والتعديل لا يدخل هؤلاء الدعاة في نطاق الموثوق بهم، فقد كانت مؤلفاتهم كلها وكتاباتهم تنصب على اتهام الفكر العربي الإسلامي وانتقاصه. ففي " الشعر الجاهلي " سخر من القرآن والتوراة، وأعلن شكوكه في كثير من حقائق الإسلام والكتب المقدسة. وفي " حديث الأربعاء " حاول أن يصور العصر الثاني المهجري بأنه عصر شك ومجون، وفي " هامش السيرة " حاول تغليب الأساطير على أصول السيرة وفي " مستقبل الثقافة " دعا إلى الارتماء في أحضان الغرب والأخذ بمذاهبه في الحياة والفكر " ما يحب منها وما يكره وما يحمد منها وما يعاب " فالكاتب الذي يحطم أيدي أمته حين تتمسك بتاريخها لتقاوم به الغزو الفكري الغربي والنفوذ الاستعماري فيتهم تاريخها ويعلن أن تاريخ يجب أن ينظر فيه على أساس الشك والنقد واعتبار أبطاله أناس عاديون يجري عليهم الشك والنقد واعتبار أبطاله أناس عاديون يجري عليهم ما يجري على الناس، لا يستطيع أن ينال ثقة أمته ولا يأخذ في فكرها مكانا عليا.
وقد هاجم رفيق العظم فكرة اعتماد الدكتور طه حسين على أخبار القصاص في تصوير العصر الثاني والثالث للهجرة بأنه عصر شك ومجون، حين أشار إلى أن مثل هذه من كتب القصاص وضعت في ظرف أراد به الخلفاء صرف الناس عن أخبار الخلافة والسياسة. ومثل ألف ليلة وليلة وقصة عنترة العبسي وواضعها مجهول وأخبار الفتوحات. وقد تنافس الرواء والقصاصون في تدوين الأخبار ووضعها تارة مجموعة وتارة متفرقة في كتب الأدب كأخبار العشاق والشعراء والبخلاء والكرام وغير ذلك فكان منها الغث والسمين ومنها الملفق والقريب من الصحة – وقد غالى بعض الإخباريين في إيراد أخبار المجون والتهتك والانغماس في الشهوات مغالاة تكاد تشهد على نفسها بالغلو والتلفيق لما فيها من العبث بالأخلاق والتجرد من كل معنى الأدب، ولا أظنني مخطئا إذا قلت أن ما نقل من هذا القبيل عن أبي نواس وإضرابه من شعراء ذلك العصر – وهو ما اعتمد عليه طه حسين – أنما هو تلفيق قصصي يراد به أحد أمرين : إما تشويه سمعة بعض الخلفاء العباسيين كالرشد والمأمون، وإما سندهم العامة إلى تلك القصص المخزية والروايات الملفتة. والذي جوز الشك في قصة أبن عبدوس يجوز الشك في صحة أكثر القصص والروايات التي نقلت عن أبي نواس وغيره من شعراء المجون وثبت أنها قصص موضوعة ليس لها قيمة تاريخية فلا يصح أن تتخذ مثالا صادقا لذلك العصر (3) ولقد حفلت الأبحاث التي كتبها المستشرقون والمستبشرون ومن لف لفهم من كتاب الغرب باتهامات واثارات للتاريخ الإسلامي والعربي تتعلق بشخصية النبي ومعاركه وحياته الاجتماعية وتتصل بمختلف أعلام التاريخ العربي الإسلامي، وقد وقد قامت هذه الكتابات المتعصبة على أساس من اتجاه كتابها ومفاهيمهم، وقد أصبح هؤلاء معروفون في مجال الفكر العربي الإسلامي.
ولا يخفف من غلوائهم إلا أننا نجد هناك من كتبوا عن التاريخ العربي بإنصاف وتقدير.
ومقطع الرأي في هذا هو أن الدول الاستعمارية ذات النفوذ السياسي أو الديني تحاول أن تجد من كبار الكتاب في الغرب دعاة لها وأدوات لغزوها الفكري فتتيح لهؤلاء رحلات قصيرة إلى الشرق، وتكون وسيلة لكتابات مضطربة غامضة فيها حملات تتسم بالقصور عن الفهم والدرس، لأنها لم تكن كتابها من تحقيق فكري أو بحث علمي . وفي هذا يقول مستر جب في كتابه " المحمدية " أن مؤلفات المستبشرين عن الإسلام والعرب تصدر عن أولئك الذين يحكم تفكيرهم الاعتقاد بأن الإسلام دين منحط وان بعضهم جرى بقدم في تفهم الإسلام، ومع ذلك فلا تزال الأحكام السابقة والآراء المغرضة تلازم موقفهم من الإسلام.
وفي الناحية الأخرى يبرز كتاب منصفون لا يتصلون بالنفوذ الاستعمارية وأدواته، فيكتبون بناء على دراسة أو بحث عميق ومن هؤلاء جوستاف لوبون وأميل درمنجم وتوينبي وغيرهم .(4)
ولسنا هنا في سبيل إحصاء الاتهامات والأخطاء أو الشبهات والشكوك التي واجه بها كتاب غربيون – وإتباعهم من رعاة التغريب والشعوبية – التاريخ العربي الإسلامي وذلك له مكانه في دراسة متخصصة، غير أنه يمكن رد هذه الاتهامات والشبهات إلى عدة عوامل :
1. القصور في الدراسة أو الاعتماد على مراجع شعوبية أو تغريبية.
2. التحيز لوزارات المستعمرات والخارجية في الدول الاستعمارية
3. الموالاة لدعوات الغزو الفكري المنطوية خلف اليهودية العالمية أو الشيوعية أو الشعوبية والتغريب
4. محاولة خدمة نفوذ الأديان أو الكنائس الغربية.
والمعروف أن هذه الجهات جميعها ترصد مبالغ ضخمة في ميزانياتها كل عام لعمليات التبشير في مختلف أنحاء العالم الإسلامي وخاصة " أواسط افريقيا وجنوب شرق آسيا " وأنها قد خدمت كثيرا من الكتاب في العالم العربي لكتابه أبحاث لها طابع معين هذا فضلا عن دعاتها وإتباعها المنبثين في كل مكان، وما يصدر باسمهم من صحف زاهرة، أو مؤلفات أنيقة.
"][/color][/size][/size]
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
hqJJJJJJJJJJJ,hx uk hghsghl