عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 01-06-2013

المتوكل غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 117
 تاريخ التسجيل : Nov 2010
 فترة الأقامة : 5112 يوم
 أخر زيارة : 10-17-2018 (09:59 PM)
 المشاركات : 696 [ + ]
 التقييم : 36
 معدل التقييم : المتوكل is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي معركة المستشرقين مع القرآن الكريم .




اتجهت جهود المناهضين للإسلام قديما وحديثا إلى محاولة زعزعة الاعتقاد في صحة القرآن وفي مصدره، وقد حذا المستشرقون المتحاملون على الإسلام في موقفهم من القرآن حذو مشركي مكة وبذلوا محاولة مستميتة لبيان أن القرآن ليس وحيا من عند الله، وإنما هو من تأليف محمد ورددوا نفس الاعتراضات التي قال بها الوثنيون قديما، رغم دحض القرآن والباحثين المنصفين تلك الادعاءات والترَّهات الباطلة.

فلم يسلم القرآن الكريم من الحملات الضاربة التي شنها عليه غلاة المستشرقين، فقالوا عنه إنه غير منظم ولا مبوب، وإنه محتذى «أي مقلد» ومنقول، وإنه زيف غير بليغ ولا فصيح وبه أغلاط نحوية وركاكات بيانية... إلخ تلك الأقاويل والأباطيل التي يعجب لها المرء وهو ما سنعرض له بشيء من التفصيل على النحو التالي:

بداية الحملة على القرآن (1)
ولقد شن المبشرون والمستشرقون وغيرهم من أعداء الإسلام حملة شديدة على القرآن الكريم، وكان أول همهم أن يبحثوا لأوروبا عن سلاح غير أسلحة القتال لتخوض المعركة مع هذا الكتاب الذي سيطر على الأمم المختلفة الأجناس والألوان والألسنة، وجعلها أمة واحدة، تعد العربية لسانها، وتعد تاريخ العرب تاريخها.

ويحدد المستشرق «رودي بارت» بداية هذا النوع من الاستشراق بسنة 1430م، «حين تمت ترجمة القرآن لأول مرة إلى اللغة اللاتينية بتوجيه من الأب «بيتروس فينيرا بيليس» رئيس دير كلوني.
من أمثلة ذلك ما زعمه كل من «جوستاف فايل» (2)، و»كازا نوفا» و«جولدزيهر» و«جورج سيل»، و«ريتشارد بل» و«ج. إيراك».. إذ قال أولهم في كتابه «مدخل تاريخي نقدي إلى القرآن» «إن القرآن الذي نقلوه ليس بعينه القرآن الذي تلاه محمد على المسلمين أثناء حياته، بل إنه حرف وبدل بعد وفاته وخاصة في الصدر الأول للإسلام».

وقال ثانيهم في كتابه «محمد ونهاية العالم»: إني أؤكد أن مذهب محمد الحقيقي إن لم يكن قد زيف، فهو -على الأقل- ستر بأكبر العنايات، وأن الأسباب البسيطة التي سأشرحها فيما بعد هي التي حملت أبا بحكر أولا ثم عثمان من بعده على أن يمدا أيديهما إلى «النص المقدس» بالتغيير وهذا التغيير قد حدث بمهارة بلغت حدا جعل الحصول على القرآن الأصلي يشبه أن يكون متسحيلا (3).

أما ثالثهم «جولدزيهر» وهو يعد من أشهر علماء الغرب في الاستشراق، وله كتاب بعنوان «العقيدة والشريعة في الإسلام» وقد ترجمه د.محمد يوسف موسى وآخرون.
يقوم في جملته على أربعة مزاعم خطيرة هي: «أن القرآن من صنع محمد(!!) وأن الحديث النبوي من صناعة الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الفقهية، وأن التشريع الإسلامي مستمد من القانون الروماني، وأن الجيوش الإسلامية التي حملت الحق والخير والعدالة إلى الدنيا لم يكن باعثها الإيمان، وإنما الذي أخرجها من الجزيرة العربية القحط والجوع» (4) .
بعد هذا السب والتجريد للإسلام من عنوانه وموضوعه وخصائصه وميزاته.. كيف يزعم هؤلاء المترجمون «المسلمون» -في مقدمة الترجمة- أن هذا الكتاب لجولدزيهر هو «أنضج ما كتب؟ وإنه تراث قيم وكبير؟!»

ولجولدزيهر كتاب آخر بعنوان «تاريخ الجنس البشري» ادعي فيه «أن محمدا كان تلميذا لليهود» (5) وشاركه الرأي في ذلك «جورج سيل» صاحب كتاب «ترجمة معاني القرآن» الذي أصدره عام 1736م وقال في مقدمته «إن محمدًا كان في الحقيقة مؤلف القرآن والمخترع الرئيسي له(!!). فأمر لا يقبل الجدل وإن كان من المرجح مع ذلك أن المعاونة التي حصل عليها من غيره في خطته هذه لم تكن معاونة يسيرة. وهذا واضح في أن مواطنيه لم يتركوا الاعتراض عليه بذلك» (6).
وإذا كان جورج سيل قد بت في مصدر القرآن على النحو السابق فجعل الرسول مؤلفه دون مواربة، فإن الأستاذ «ريتشارد بل» مؤلف كتاب «مقدمة القرآن» قد سد النقص الذي تركه «سيل» في تلك الأكذوبة، فاستظهر أن الرسول «محمد» قد استمد من الكتاب المقدس كثيرا مما جاء في القرآن وبخاصة القصص القرآني(!!).

ادعاؤهم بنحل القرآن من الكتب السماوية (7)
يذهب المستشرق «لوت» إلى أن النبي " صلى الله عليه وسلم" مدين بفكرة فواتح السور من مثل: حم، طسم، وألم.. الخ.. لتأثير أجنبي، و«يرجح أنه تأثير يهودي، ظنًا منه أن السور التي بدئت بهذه الفواتح مدنية خضع فيها النبي " صلى الله عليه وسلم" لتأثير اليهود» (8) .
أما غوستاف لوبون فيرى في كتابه «حضارة العرب» أن القرآن الكريم من شواهد عبقرية محمد " صلى الله عليه وسلم" وهو من إنشائه ولكنه يجعله دون كتب الهندوس قيمة(!!).. فيقول: ليس في عامية القرآن ولاهوتيته التي هي من صفات الأديان السماوية ما يقاس بنظريات الهندوس، ثم ينكر شمولية القرآن الكريم، ويرى أنه مؤقت بعصره، لا يحقق حاجات الفرد في عصور لاحقة، بل يجعله سبب تخلف المسلمين! (9) .

وبلاشير - بالرغم مما يقال عن اعتداله في أحكامه- يتحدث في كتابه «معضلة محمد» عن مصدر القصص القرآني ذاكرا أنه «مما لفت انتباه المستشرقين هو التشابه الحاصل بين هذا القصص وبين القصص اليهودي والمسيحي.. وقد كان التأثير المسيحي واضحا في السور المكية الأولى، إذ كثيرا ما تكشف المقارنة بالنصوص الرسمية- كإنجيل الطفولة الذي كان سائدًا في ذلك- عن شبه قوي».
المضحك أن بعض المستشرقين المعاصرين يقفون عند نصوص معينة من القرآن الكريم يتخذون من فهمهم الخاطئ لها دليلا على أن محمدا استقى تعاليمه من الكتابيين، فقد ذكر المستشرق الإنجليزي «الفريد جيوم» والمستشرق الأميركي «فردريك بلس» أن الآية التي تقول {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} (مريم: 28). قد اختلطت على رسول الله " صلى الله عليه وسلم" ويقول «جيوم»: إن محمدا كان دارسا مبتدئا للكتاب المقدس، فظن أن مريم أم عيسى عليه السلام هي مريم أخت هارون مع أن بين عيسى وهارون زمنا طويلا (10).. والشيء نفسه عند «بلي» حيث يذكر أنه: كيف تكون مريم أخت موسى هي التي عاشت قبل المسيح بألف وأربعمائة عام هي أم المسيح؟! ويضيف «جيوم»: كان أسلوب النبي في القرآن أول عهده بالدعوة مفعما بالعواطف، قصير العبارات، فخم الصورة، يقدم أوصاف العقاب والثواب في أوصاف صارخة، وكثيرا ما يكرر الآيات مملا حتى تتقلب معانيها إلى الضد (11). فلما تقدم الزمن بالنبي فقد الأسلوب منهجه الأول!! (12) وإن المستشرق كليمار هوار: klimar Hawar زعم أنه اكتشف مصدرا جديدا للقرآن هو شعر أمية بن أبي الصلت (!!) (13).

ويمكننا تلخيص مزاعم المستشرقين وادعاءاتهم في ثلاث نقاط هي (14):
> ادعاؤهم أن النبي محمد " صلى الله عليه وسلم" مؤلف القرآن الكريم «كار لايل، غوستاف لوبون، جولد زيهر، جورج سيل».

> ادعاؤهم أن القرآن خليط مهلهل مشوش، وكلام ركيك ثقيل على النفس، وفقر مدقع في الأفكار وعدم الاتساق ومجموعة ملاحظات كان يدونها تلاميذ محمد، وأن القرآن الذي نقلوه -هم- ليس بعينه القرآن الذي تلاه محمد، بل إنه حرف وبدل بعد وفاته، وليس في القرآن قيمة أدبية خاصة مادام محمد كارهًا للشعر والشعراء محترزا أن يكون أحدهم! «كارلايل، نولدكه، ج. إيراك، جوستاف فايل، أميل درمنغم».

> ادعاؤهم أن النبي محمدا مدين بفكرة فواتح السور من مثل حم، طسم، الم، كهيعص... إلخ لتأثير أجنبي، ويرجح أنه تأثير يهودي، ومصدر القصص القرآني هو التشابه الحاصل بين هذا القصص وبين القصص اليهودي والمسيحي، وقد كان التأثير واضحا في السور المكية، وأن محمدا استقى تعاليمه من الكتابيين.. «ولت، بلاشير، جيوم، نولدكه، ريتشارد بل، بلس».

بل المضحك حقا -وهو من شر البلية كما يقولون- ما ذهب إليه بعضهم من أن فواتح السور هذه ليست من القرآن، وإنما هي «رموز لمجموعة الصحف التي كانت عند المسلمين الأولين قبل أن يوجد المصحف العثماني»!!. وتفسيرهم لحرف مثل «الم»، كهيعص»، «ن»،.. بأن حرف الميم رمز لصحف المغيرة بن شعبة، والهاء لصحف أبي هريرة، والصاد لسعد بن أبي وقاص، والنون لصحف عثمان، وأن محمدا ظن أن مريم أخت هارون، وكيف تكون مريم أخت موسى هي التي عاشت قبل المسيح بألف وأربعمائة عام هي أم المسيح عيسى؟! «نولكده، جيوم، بلس».
ولعلنا نلحظ أن كل هذه الأقوال و«التفسيرات» التي جاءوا بها هي مما يبعث على السخرية والضحك في آن واحد.

مستشرقون يردون ويدحضون الافتراءات (15)
أما بالنسبة لدحض هذه المفتريات على القرآن الكريم، كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو أمر سهل وميسور، وسنعتمد في الجزء الأول منه على أقوال جانب من المستشرقين الموضوعيين الذين فندوا تلك الأقوال الباطلة والمزاعم الخاطئة حول القرآن الكريم، ونحن في هذا بصدد، «مستشرقون يردون على افتراءات مستشرقين»، والجزء الثاني من الرد سينصب على «الدليل النقلي» من القرآن الكريم، بعد أن أسبقناه «بالدليل العقلي»، وبذلك نكون قد جمعنا بين الأمرين معا في دحض تلك المفتريات.

فأما الأول فهو ما قاله الكونت هنري دي كاستري: «لو قال قائل إن القرآن ليس كلام الله بل كلام محمد فلابد لنا على الحالين من الاعتراف بأن تلك الآيات البينات لا تصدر عن مبتدع أبدا، خلافا لرأي من ذهب إلى تكذيب نبوته.. ولعل رأيهم جاء من ضيق «فهمهم» للغة التي تلجئنا (أي المستشرقين الطاعنين) إلى أن نرمي نبيا هو في الحقيقة شخص ملئ أمانة وصدقا» (16) .
ويتساءل «الكونت» مستنكرًا: وكيف يعقل أن النبي ألف هذا الكتاب (القرآن) باللغة الفصحى مع أنها في الأزمان الوسطى -كاللغة اللاتينية- ما كان يعقلها إلا القوم العالمون؟! بل ذهب إلى أبعد من ذلك فتعجب من مسيو «ريناردوزني» مما قاله في كتابه «تاريخ الإسلام» عن القرآن: «إن في القرآن أغلاطا نحوية كثيرة، وإن تلك الأغلاط جعلت فيما بعد من جملة قواعد النحو أو مستثنيات من قواعده» (17) .

ويعقب «دي كاستري» على ذلك بقوله: ولعمري أي مصدر اعتمد عليه ذلك المؤلف فيما ادعى، مع أننا لم نعهد كتبًا نحوية قبل الإسلام، ولو صح وجود شيء منها فلابد أنه كان عزيزا نادرًا. وقد شاهدنا أن أناسا -كان أكثرهم أميين قاموا في أمة العرب- وادعوا النبوة، وادعى النبوة منهم مسيلمة الكذاب الذي زعم أنه قرين محمد ثم أتى بسور (قصص) سخر العرب منها لسذاجتها وتدني قيمتها الأدبية!
لقد جاهر «كلوفارير» الكاتب الفرنسي المعاصر وعضو مجمع اللغة العربية بقوله: «إن آيات القرآن جميلة وتحسن تلاوتها، فيها نفحة ظاهرة عجيبة لأنها تأمر بالشجاعة والصدق والأمانة وتدعو إلى حماية الضعيف وإلى عبادة إله واحد» (18)، ولعل في ذلك أبلغ رد على الذين يدعون بأن القرآن كلام ركيك، ثقيل على النفس، مدقع في الأفكار، وخليط مهلهل مشوش... إلخ.

والشيء نفسه يقرره الأديب الكبير بارتملي شتيلر (19) بقوله: «إن القرآن قد بقي أجمل مثال للغة التي أنزل بهاء ولم أر ما يشبه ذلك في جميع أدوار التاريخ الديني للعالم الإنساني، وهذا الأمر يفسر لنا التأثير العظيم الذي أحدثه هذا الكتاب على العرب (20).

ويقول المستشرق جيمس منشز في إحدى مقالاته: لعل القرآن هو أكثر الكتب التي تقرأ في العالم وهو بكل تأكيد أيسرها حفظا وأشدها أثرا في الحياة اليومية لمن يؤمن به، فهو ليس طويلًا كالعهد القديم. وهو مكتوب بأسلوب رفيع أقرب إلى الشعر منه إلى النثر (21). ولم يكن للنبي محمد في القرآن من حظ إلا أربعة أشياء هي: الوعي والحفظ، لقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} (الأعلى:6)، والحكاية والتبليغ {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَـزَّلْنَاهُ تَنْـزِيلا} (الإسراء:106).

والبيان والتفسير، لقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44) ثم أخيرا التطبيق والتنفيذ لقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ} (النساء:105).
ومن الطرائف أيضًا أن نجد من المستشرقين الطاعنين في القرآن من يرد على نفسه ويناقض كلامه بعضه بعضا، كالفيلسوف جوستاف، أو غستاف لوبون، الذي قال عن القرآن ما نصه: حسب هذا الكتاب جلالة ومجدا أن الأربعة عشر قرنا التي مرت عليه لم تستطع أن تجفف -ولو بعض الشيء- من أسلوبه الذي لايزال غضا كأن عهده بالوجود أمس، ولم يكن هذا النبي الجليل داعيا للآخرة وحدها، بل أمر أتباعه أن يأخذوا بنصيبهم من هذا الحياة (22).

فالقرآن الكريم معجزة خالدة لرسالة خالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ودراسته تنفي أن يكون شيء منه من كلام بشر، والموازنة بينه وبين الأحاديث النبوية تؤكد بوضوح أن النبي محمد " صلى الله عليه وسلم" لا قدرة له على الإتيان بقرآن مثله، فهو كلام الله المعجز في آياته وبيانه.
وما فيه من تشريع ديني واجتماعي وسياسي وقوانين ومعاملات وشؤون أسرة وعلاقات داخلية وخارجية ونظام حروب وجهاد في سبيل الله لا يمكن أن يقوم به فرد واحد من عنده مهما كانت قوته وبلغ علمه.

وكما يقول «الكونت هنري دي كاستري».. لو لم يكن في القرآن غير بهاء معانيه وجمال مبانيه لكفى بذلك أن يستولي على الأفكار ويأخذ بمجامع القلوب، أتى محمد بالقرآن دليلا على صدق رسالته وهو لا يزال إلى يومنا هذا سرا من الأسرار التي تعذر فك «طلاسمها» (23) (أي الصعب من ألفاظه وعباراته).
ولن يسبر غور هذا السر المكنون إلا من صدق بأنه منزل من عند الله، اللهم إلا إن اعتمدنا على قول ممجدي الديانة المسيحية مما كنا نرتاح إليه أيام شبيبتنا، وهو (أي ديكستري) يرجح أن القرآن تأليف فاتح أراد سلطته فجمع من كتب اليهود والمسيحيين قانونا أودعه بعض قواعد الأدب والدين وأضاف إليه قصص الوقائع العظيمة لتأييد رسالته. وعلى كل حال سواء توصلنا إلى معرفة حقيقة القرآن أم لا فلا ينكر أحد أن مظهر محمد كان مظهر نبوة بالفعل، هكذا قال «دي كاستري» في كتابه سالف الذكر.

وثمة حقيقة كبرى لا يمكن تجاهلها ولا بالمقدور إنكارها وهي أن ما جاء به نبي الإسلام " صلى الله عليه وسلم" وإن اتفق مع جميع الرسالات السابقة في الدعوة إلى التوحيد، إلا أنه انفرد بأشكال وأوضاع في العبادات والمعاملات لم يسبقه إليها دين من قبل، كما أن الإسلام انفرد بشمول شريعته وأحكامها لكل حاجات البشرية ومطالبها وأوضاعها المتعددة والمتباينة لكونه الدين الخاتم والشريعة الناسخة لما قبلها من شرائع وديانات. فكيف يصح في الأذهان أو تصدق العقول ما يفتريه «جولد تسهير» من أن الإسلام مزيج من منتخب المعارف والآراء اليهودية والمسيحية؟!(24) .
نعم قد نرى تشابها بين القرآن والتوراة في بعض المواضع إلا أن سببه ميسور المعرفة، ذلك أن محمدا كان يلصق «يقارن» ديانة الإسلام بالديانتين المسيحية واليهودية (25).

فالبحث مباح فيما إذا كان مذهبه صحيحا اتخذه ليؤيد به الحقيقة الدينية من حيث هي (26) ولكن لا نسلم بإنكار هذه الحقيقة وحينئذ لا عجب إذا تشابهت تلك الكتب في بعض المواضع خصوصا إذا لاحظنا أن القرآن جاء ليتممها كما أن النبي " صلى الله عليه وسلم" خاتم الأنبياء والمرسلين.
وفي تحليل هذه القضية يقول «الكونت هنري دي كاستري»: والآن نلخص مذهب المسلمين في الديانات الثلاث فنقول: «إن دين الأنبياء كان كله واحدا، فهم متحدون في المذهب منذ آدم إلى محمد، وقد نزلت ثلاثة كتب سماوية هي: الزبور والتوراة والقرآن، والقرآن بالنسبة إلى التوراة كالتوراة بالنسبة إلى الزبور أو أن محمدا بالنظر إلى عيسى كعيسى بالنظر إلى موسى، ولكن الأمر الذي تهم معرفته هو أن القرآن آخر كتاب سماوي نزل إلى الناس وصاحبه خاتم الرسل، فلا كتاب بعد القرآن ولا نبي بعد محمد " صلى الله عليه وسلم" ، ولن تجد بعده لكلمات الله تبديلا» (27).

إذا تقرر هذا لم يعد هنالك وجه للاستغراب من وجود بعض التشابه بين القرآن والتوراة، فمحمد كعيسى قال إنه ليتمم رسالة من قبله لا ليبيدها، فلم يكن من أمره الابتعاد عمن تقدمه. إذن ليس محمد من المبتدعين ولا من المنتحلين كتابهم وليس هو نبي سلاب كما يقول مسيو «سايوس» وجورج سيل ومن شابههما.

أما ما ادعاه كل من جورج سيل وريتشارد بل، وج إيراك وجوستاف فايل وكازانوفا.. من أن القرآن الذي نقله أصحاب محمد ليس بعينه القرآن الذي تلاه محمد على المسلمين أثناء حياته، بل إنه حرف وبدل بعد وفاته، خاصة في الصدر الأول للإسلام، فتجدر الإشارة إلى أن الذين زعموا هذا الزعم الفاسد هم من أشد المستشرقين تعصبا، أما كثرتهم فيقرون بأن القرآن الذي نقرأه ونرتله اليوم إنما هو بعينه القرآن الذي قرأه النبي محمد " صلى الله عليه وسلم" أثناء حياته، لم يحرف ولم يبدل. وهم حريصون على أن يذكروا هذا وإن أضافوا إليه نقدًا للنظام الذي جمع القرآن به ولترتيب السور فيه، وكان على رأس هؤلاء المستشرقين السير وليم ميرو، وهو المسيحي الشديد الحرص على مسيحيته، فقد ذكر في كتابه «حياة محمد» ما ترجمته: كان الوحي المقدس أساس أركان الإسلام فكانت تلاوة ما تيسر منه جزءا جوهريا من الصلوات اليومية (28).

وكل ما لدينا مقنع تمام الإقناع بأن الأمر كذلك -وهو أن القرآن الذي نتلوه إنما هو نص مصحف عثمان لم يتغير- فليس في الأنباء القديمة أو الجديرة بالتصديق ما يلقي على عثمان أية شبهة بأنه قصد إلى تحريف القرآن. ونستطيع أن نستنبط مطمئنين أن مصحف عثمان كان وما يزال صورة مضبوطة لما جمعه زيد بن ثابت مع مزيد في التوفيق بين الروايات السابقة له وبين لهجة قريش، ثم استبعاد القراءات التي كانت منتشرة في أنحاء الدولة.

ولا مراء في أن ذلك النفر القليل من غلاة المستشرقين الذين نادوا بفرية تحريف القرآن وأنه كتاب من وضع الرسول محمد هم مسيحيون مغرقون في مسيحيتهم ظلوا يفترون على الإسلام ونبيه الكريم ويلتمسون المطاعن في تعاليمه السمحة بمعاونة أحبار الكنيسة وبتأييد من الاستعمار الغربي، فأتوا بآراء ونظريات مما يبرأ منها الإسلام وأدخلوا على سيرة الرسول الأعظم خرافات لا يسيغها العقل الواعي ولا يقبلها الذوق السليم.

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك




luv;m hglsjavrdk lu hgrvNk hg;vdl > luv;mK hglsjavrdkKhgrvNkK hg;vdl





رد مع اقتباس