
اعتبر علماء في
التاريخ الإسلامي جامع القرويين بمدينة فاس بالمغرب أول جامعة في العالم ، كما كان لها دورها العلمي والسياسي والإقتصادي الحضاري في استيعاب أصحاب الديانات الأخرى .
وأشاروا إلى أن اتخاذ القرارات السياسية الحاسمة من بيعة وحرب وسلم كانت تخرج بتوقيعات علماء جامع القرويين ، وهو ما دفع المستعمر الفرنسي للمغرب آنذاك إلى تسميتها بـ ( البيت المظلم ) ، وكانت أوقاف القرويين تكفي لإعانة المغرب في مواجهة أية أزمة اقتصادية طارئة .

وتجمع الدراسات التاريخية على أن مسجد القرويين أو ( جامع الشرفاء ) بنته فاطمة الفهرية في عهد دولة الأدارسة في رمضان من سنة 245 هجرية أي 30 يونيو (حزيران ) 859 ، حيث وهبت كل ما ورثته لبناء المسجد . كان أهل المدينة وحكامها يقومون بتوسيع المسجد وترميمه والقيام بشؤونه . وأضاف الأمراء الزناتيون بمساعدة من أمويي الأندلس حوالي 3 آلاف متر مربع إلى المسجد وقام بعدهم المرابطون بإجراء توسع آخر .
ويذكر المؤرخ الدكتور عبد الهادي التازي ـ الذي خصص أطروحته لنيل الدكتوراه ، في جامعة القرويين من حيث بناؤها العمراني وأدوارها الفكرية والعلمية أن حفر أساس مسجد القرويين اتخاذ قرار بنائه الأول كان بموافقة العاهل الإدريسي يحيى الأول .

بعد بناء الجامع قام العلماء بإنشاء حلقات لهم فيه ، كان يجتمع حولها العديد من طلاب العلم ، وبفضل الاهتمام الفائق بالجامع من قبل حكام المدينة المختلفين تحولت فاس إلى مركز علمي ينافس مراكز علمية ذائعة الصيت كقرطبة وبغداد .
يعتقد أن جامع القرويين قد انتقل من مرحلة الجامع إلى مرحلة البداية الجامعية في العهد المرابطي ، حيث قام العديد من العلماء باتخاذ المسجد مقراً لدروسهم . حسب النصوص المتوفرة فإن جامع القرويين دخل مرحلة الجامعة الحقيقية في العصر المريني حيث بنيت العديد من المدارس حوله وعزز الجامع بالكراسي العلمية والخزانات .

تخرج فيها العديد من علماء الغرب ، وقد بقي الجامع والجامعة العلمية الملحقة به مركزاً للنشاط الفكري والثقافي والديني قرابة الألف سنة . درس فيها سيلفستر الثاني ( غربيرت دورياك ) ، الذي شغل منصب البابا من عام 999 إلى 1003م ، ويقال أنه هو من أدخل بعد رجوعه إلى أوروبا الأعداد العربية . كما أن موسى بن ميمون الطبيب والفيلسوف اليهودي قضى فيها بضع سنوات قام خلالها بمزاولة التدريس في جامعة القرويين .
درّس فيها الفقيه المالكي أبو عمران الفاسي وابن البنا المراكشي وابن العربي وابن رشيد السبتي وابن الحاج الفاسي وابن ميمون الغماري ، زارها الشريف الإدريسي ومكث فيها مدة كما زارها ابن زهر مرات عديدة ودون النحوي ابن آجروم كتابه المعروف في النحو فيها . ولقد اشتهر من فاس جماعة من أهل العلم ونسبوا إليها منهم أبو عمرو عمران بن موسى الفاسي فقيه أهل القيروان في وقته . وأبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الشهير بابن البناء وهو أشهر رياضي في عصره ، وأبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ الشهير بابن باجة وكان ممن نبغوا في علوم كثيرة منها اللغة العربية والطب وكان قد هاجر من الأندلس وتوفي بفاس . ومن العلماء الذين أقاموا بفاس ودرسوا بجامعتها ابن خلدون المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع ، ولسان الدين بن الخطيب ، وابن عربي الحكيم وابن مرزوق .

لا تزال الصومعة المربعة الواسعة في المسجد قائمة إلى الآن من يوم توسعة الأمراء الزناتيين عمال عبد الرحمن الناصر على المدينة ، وتعد هذه الصومعة أقدم منارة مربعة في بلاد المغرب العربي .
قام المرابطون بإجراء إضافات على المسجد فغيروا من شكل المسجد الذي كان يتسم بالبساطة في عمارته وزخرفته وبنائه إلا أنهم حافظوا على ملامحه العامة . كان هناك تفنن من قبل المعماريين في صنع القباب ووضع الأقواس ونقش آيات القرآن والأدعية . أبرز ما تركه المرابطون في المسجد هو المنبر الذي لا يزال قائماً إلى اليوم . بعد المرابطين ، قام الموحدون بوضع الثريا الكبرى والتي تزين المسجد الفاسي إلى اليوم .

لمسجد القرويين سبعة عشر باباً وجناحان يلتقيان في طرفي الصحن الذي يتوسط المسجد . كل جناح يحتوي على مكان للوضوء من المرمر ، وهو تصميم مشابه لتصميم صحن الأسود في قصر الحمراء في الأندلس .
عرف الجامع المزيد من الاهتمام في مجال المرافق الضرورية فزين بالعديد من الثريات والساعات الشمسية والرملية وأضيفت للمسجد مقصورة القاضي والمحراب الواسع وخزانة الكتب والمصاحف . طراز الجامع المعماري بشكل عام هو الطراز المعماري الأندلسي .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
Hr]l [hlum td hgjhvdo