
لست نداً للحزن ، بل أنا رفيقه ، بل هو رفيقي .
جليسه وجليسي ، أناجي الغائبين من خلف جداره .
وأتحدث إلى الأحبة من فوق أسواره ، وبيننا حجب من ضباب
الأيام الغابرة العتيقة العتيدة ، العنيدة ، تمضي دون التفات ، وتركض
دون إصغاء ، لا تلوي على الماضي ، ولا تكترث للحاضر ، ولا تهاب المستقبل .
عددتها على أصابعي الخمس ، ثم العشر ثم العشرين ، حتى لم أعد أجد أصابعاً
أعد عليها ، فأشرت إلى الأشجار همساً أرصدها على قارعة الزمن السحيق ، حتى طال
العد وتزاحمت الأرقام ، فأسقط في يدي والتوى على جسدي حبل الألم ، واعتلى كاهلي
حمل الملل ، فأعود لأقعد تحت أسوار الأيام أعيد العد وأبخسه حتى أعلل نفسي بوهم
الأمل الطويل ، بل المستحيل .
رسمت على جداري الزمني الواقف بصمود ، يعتريه جمود ، وهدوء الوجوم ، كأنه في انتظار
أمر جلل ، لطخته بمداد بما يثعب من أعماقي من نزيف الجراح الغائرة الحائرة في عرصات
كياني الهزيل ، المتهادي ، فتشكلت من ذلك المداد كلمات كنت أصد عنها يوماً وأكتمها خشية
منها ، متوهماً بأنني إن ذكرتها سأثيرها ، وأنها لن تثور طالما تركتها وشأنها ، ولم أكن أعلم أنها
قد دونت في قاموس ايامي القادمة ، وانطوت وطوت معها صفحة الأمل البيضاء التي كنت أنظر
إليها كل يوم بل كل لحظة ، فما زالت تتهادى أمام ناظري ، وتتلاشى وتدرس رسومها
وتتبعثر الحروف على سطورها كأنما كانت رتقاً فانفتقت .
واسودت في عيني وضاعت معالمها ، فوعيت على رماد تذروه الرياح من وسط راحتي
فنفضت يدي فإذا بهما خاويتان .
وتلاشى كل شيء وارتحل السامرون ، وانبلج نهار ، ثم أسدل الليل ستاره علي حتى أشرقت
خيوط الصباح في وسط الليل ، وجانبي الناصية ، فأخبرني ( ليل تمشى في جانبيه نهار ) .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
gdg jlan td [hkfdi kihv >