البيان في معناه اللغوي لا يخرج عن الكشف والإيضاح ، وعلوِّ الكلام ، وإظهار المقصود بأبلغ لفظ .
وفي القرآن الكريم والحديث الشريف ورد لفظ " بيان " ومشتقاته بهذا المعنى .
وظلّت كلمة " بيان " يراد بها هذه المعاني العامة عند ..
1- الجاحظ فقد قال عنه :" البيان : اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى ، وهتك الحجاب دون الضمير حتى يفضي السامع إلى حقيقته . ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان ، ومن أي جنس كان ذلك الدليل ؛ لأن مدار الأمر والغاية التي إليها يجري القائل والسامع إنما هو الفهم والإفهام ، فبأي شيء بلغت الإفهام وأوضحت المعنى ، فذلك هو البيان في ذلك الموضع " .
2- الرماني .. وقال :" البيان : هو الإحضار لما يظهر به تميّز الشيء من غيره في الإدراك ".
3- ابن رشيق .. نقل عن الرماني ولكنه لم يقف عنده وساق له تعريفًا فقال :" هو الكشف عن المعنى حتى تدركه النفس من غير عُقْلة ، وإنما قيل ذلك لأنه قد يأتي التعقيد في الكلام الذي يدل ولا يستحق اسم بيان " .
4- عبد القاهر الجرجاني .. فقد جعل الفصاحة والبلاغة والبراعة والبيان كلها تدل على معنى واحد أو متقارب . فلم يحدْ عن السابقين في معنى الكشف والإيضاح .
5- أما ابن الأثير فقد رأى في البيان معنى واسعًا يدل على البلاغة كلها - فصاحة وبلاغة - فقال :" موضوع علم البيان هو الفصاحة والبلاغة ، وصاحبه يسأل عن أحوالهما اللفظية والمعنوية .." وهو بهذا لم يخرج عن المعنى المقصود لسابقيه .
6- إلى أن جاء السكاكي - فحجر واسعًا - ووضع للبلاغة قواعدها المنطقية وقسمها إلى المعاني والبيان والمحسنات ، وجعل لكل قسم تعريفًا واحدًا .. وقد عرّف البيان بقوله :" هو إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة ، بالزيادة في وضوح الدلالة عليه والنقصان " وبذلك أصبحت كلمة " بيان " علم له أصول وقواعد يمكن بواسطتها إبراز المعنى الواحد بطرق مختلفة .
ومما سبق يتّضح أن لعلم البيان معنيين :
أولهما .. معنى أدبي أوسع وأشمل .. يشمل الإيضاح لكل ما يختلج في النفس من المعاني والأفكار والأحاسيس والمشاعر بأساليب لها حظها من الدقة ، والإصابة والوضوح والجمال ، وهو بهذا التعميم يجمع فنون البلاغة الثلاث ، وهذا المعنى هو المراد عند إطلاق لفظ " البيان " .
وثانيها .. معنى علمي ضيق ، وهو إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة .
وعندما ذكر الباحثون أن الزمخشري أول من ميّز بين مصطلحي علم المعاني وعلم البيان ، لم يكن من الصحة بمكان إذ بعد التتبع وجد لديه خلط بين مسائل كل منهما .. ولا يعدو أن يكون مجرد تسمية أطلقها دون أن يضع حدا لعلم البيان أو المعاني ، ودون أن يفرق من الناحية العلمية والتطبيقية بين مباحث علم البيان ، وعلم المعاني على نحو ما فعل السكاكي في مفتاحه .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
hgfdhk td ugl