تشرق الشمس بضيائها الذهبية الذي تلقيه على قمم الجبال المترابطة المتجانبة
كأنما تصطف في ساحة قتال أو في صف لأداء الصلاة ، أو كأنها وجهة من الناس
إلى أناس آخرين .. أو كأنها تستشرف الشمس بعد ليلة شتاء قارصة البرد لتستدفئ
وتقتبس من جذوتها ، ثم تتسلل تلك الأعمدة إلى بطون الأودية ومنخفضات الأرض
كي تعانق دفء بطنها عناقاً من شدة دفئه نفثت الأرض ما في جوفها من شعور
وإحساس ودفء فامتزج بحرارة الشمس وبرودة الليل فتصاعد ضباباً يهرول سريعاً
نحو القمم كي يكسوها ثم يحلق عليها كانما هو عمامة شيخ ذو وقار وهيبة ، وقد حجبت
الشمس وأشعتها وهبت نسمة عليلة تتخلل ذلك الضباب الذي بدا كالعهن المنفوش وداعبت
الأغصان والأشجار والنبات وتسللت إلى النفوس الحالمة فألقت عليها من رهبتها وقاراً
ومن عذوبتها لطفاً ومن روحها حياة مليئة بالسعادة .
وتتجلى الشمس في رابعة النهار ثم تميل إلى الغروب في سير هادئ ووقار لا يراه
إلى الحالمون ، وهدوء لا يعرفه إلا الذين تجيش في أعماقهم مشاعر مختلفة قد اكتظت
بها عروقهم .
منزل هادئ يكاد يتهادى من شدة الهدوء ، نوافذه الصغيرة تنتظر قرص الشمس عندما تميل
إلى الغروب لتسمح لحبال أشعتها بالولوج عبرها لتستقر في ساحة الدار الخاشعة وقد أخذت
تلك الحبال شكل النوافذ الصغيرة المربعة فبدت كأنها طود من من نحاس أو حجر كريم
وعندما تتأملها حتى لكأنك تستطيع الإمساك بها بينما هي خليط مزدحم من الهباء المنثور
في حركة مستمرة تتضاءل كلما اقتربت الشمس من التواري خلف قمة الجبل .
تلك أيام قد مضت ووارتها عقود من السنين وتوالت عليها أيام سحيقة ، ولكنها لا زالت
تمثل أمام ناظر العقل والخيال ولكنها حاضرة حية تعكس وتخبر كم كان ذلك المنزل حزين
وكم كانت الحياة بائسة وإن كانت عريقة وعبقة وبريئة .
تلك سنين قد مضت بعدما لطخت بالأحزان جوانب الدار التي كانت تداعب حبال الشمس
وتنشد هباءها ، ونواجه مصيراً لم نكن نعرف مداه ولم نلق له بالاً حتى كبرنا
وصرنا نردد ( ولكن الله سلم )
فأين كان الأبُ ؟
وأين كانت الأمُّ التي كانت الملاذ من النوائب ؟
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
hg]hv hgp.dkm hg[s]km