إن جمع القرآن يطلق ويقصد به حفظه في الصدور؛ كما قال الله تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) القيامة17. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "جمعه لك في صدرك" رواه البخاري (5) ومسلم (448).
وروى البخاري (3810) ومسلم (2465) عن أنس رضي الله عنه قال: "جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ".
فحفظه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظه الصحابة رضي الله عنهم، والمؤمنون من بعدهم. وهذا أمر لم يتوقف على وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل لا يتأتى حفظ القرآن وجمعه من بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا إذاكان كله محفوظا مجموعا في حياته صلى الله عليه وسلم .
ويطلق جمع القرآن ويقصد به جمعه في المصحف، على الترتيب المعهود، وهذا هو الذي تأخر إلى خلافة الصديق رضي الله عنه، بعد وفاةالنبي صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري (4679) أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدْاسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّالْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لَأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ ... الحديث، وفيه: قال زيد: "فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الرِّقَاعِ وَالْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، وَكَانَتْ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ". وهناك جمع ثالث ثم في خلافة عثمان رضي الله عنه، وهو جمع الناس على مصحف واحد، وحرف واحد من الأحرف التي نزل بها القرآن، واعتماد هذا المصحف العثماني الأم.
فإنه لما تنازع الناس في القرآن واختلفوا، فهذا يقرأ بقراءة أبي بن كعب، وهذا يقرأ بقراءة ابن مسعود، استشار عثمان الصحابة رضي الله عنهم في جمع الناس على مصحف واحد.
فروى ابن أبي داود في "المصاحف" (1/77) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلا خيرا في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعا، فقال: ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كفرا، قلنا: فما ترى؟ قال: نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة، ولا يكون اختلاف، قلنا: فنِعم ما رأيت قال: فقيل: أي الناس أفصح، وأي الناس أقرأ؟ قالوا: أفصح الناس سعيد بن العاص، وأقرؤهم زيد بن ثابت، فقال: ليكتب أحدهما ويمل الآخر، ففعلا. وجمع الناس على مصحف. قال علي: والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل. وصححه الحافظ في "الفتح" (9/18).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
lvhpg [lu hgrvNk hg;vdl >