عبد الله البارقي- سبق- تصوير: أحمد السبعي: رغم أن مأساة نساء الكهف وقصتهن بدأت فصولها تخرج للنور إعلامياً من جبال شرق منطقة جازان في رمضان الماضي، إلا أنهن ما زلن على حالهن دون تدخل ملحوظ من الجهات المعنية التي ملأت وسائل الإعلام بالتصريحات والوعود، لينتهي كل ذلك ويختصر ويختزل في "كيس أرز"، ومع ذلك يواصلن تمسكهن بحياة القرن الماضى، بين جبال لايشاهدن سوى خضرتها وجريان ماء وديانها، فهن في عالم آخر من العزلة فُرض عليهن، فكل ما يربطهن بالعالم الجديد بعض الأغذية المعلبة التي تصلهن من فاعلي الخير، غير أن أكلهن هو رغيف الخبز وصلصة الطماطم، وتبقى زرعة الصهلولي هي من تصنع الحدث هناك.
رحلة للأودية بالصهاليل
كان فجر يوم السبت الماضي بداية رحلة الانطلاق نحو قرى الأودية بجبال الصهاليل، لنعود لنساء الكهف عند السادسة والنصف، حيث كان موعد انطلاق "سبق" من جازان، وبعد مضي قرابة 5 ساعات وصلنا لمشارف الأودية بعد أن التقينا المواطن سلمان قاسم، الذي أقلنا معه في سيارة ذات دفع رباعي، ومكثنا قرابة الساعة والنصف لنصل لكهف السيدة زرعة الصهلولي، التي تسكن في أعلى الجبل.
وكعادة العربي الأصيل بدأت زرعة ترحب بقدوم ضيوفها، وتحاول أن تقدم ما بوسعها لإكرامنا، أخبرناها بقدومنا لتصويرها ونقل معاناتها، تبسمت وقالت: "الحمد لله.. أنا في أحسن حال، ما زلت متعافية وبصحة جيدة، ولكن كما ترون ما يقلقني أن يكون مصيري كمصير رفيقات دربي: سعيدة الصهلولي وشارة وشريفة، أصابهن المرض ولم يجدن من يعالجهن، لأن معاملات هويتهن لا تزال في مكاتب إدارة أحوال صبيا".
سألناها: "هل وصلك شيء أو وقفت الجهات المعنية على حالك لتلمس احتياجاتك بعد صدور توجيه أمير جازان في رمضان الماضي بعد علمه بمعاناتكن؟"، ففاجأتنا بقولها: "سمعت ذلك ولكن لم يزرني سوى شخص قدم لي كيس أرز فقط، ولم يصل أحد في هذه الجبال، وحالنا كما هو".
فما كان منا إلا أن غادرنا منزل زرعة الصهلولي وسط كثير من التساؤلات التي نبحث لها عن إجابة حول وضعها وسكنها وعلاجها.
سعيدة تتداوى من الصيدليات
وبعد عدة خطوات نزولاً من الجبل وصلنا لمنزل سعيدة الصهلولي، حيث استقبلنا ابنها سلمان الصهلولي، وبسؤاله عن والدته أخبرنا: "إنها ذهبت مع شقيقه الآخر لأنها تعاني من وعكة صحية، وليس أمامهم خيار إلا أقرب الصيدليات الخاصة لأخذ بعض المهدئات لأن المستشفيات تطلب الهوية الوطنية، ولم تنته معاملاتهن منذ عام 1429هـ، ولم نتلق إلا الوعود تلو الوعود.
وأكد سلمان أن جميع أوراق والدته "انتهت في أحوال صبيا ولكن يرددون علينا كلمة: اصبرو علينا"، مشيراً إلى أنه لا يقود السيارة ولا يملكها، وعندما يريد الذهاب بوالدته فإن ذلك يكلف في المشوار الواحد 400 ريال، مستشهداً بقصة ابنه الذي سقط من على سفح الجبل وتعرض لضربة بالرأس غيبته عن الوعي ما دعاه وأقاربه لحمله على أكتافهم حتى تجاوزو الجبل، ومن ثم نقله لمستشفى صبيا.
نساء الكهف معاناة تمتد للجيران
يقول سلمان جابر الصهلولي: إن معاناته هي في عدم وجود الخدمات، فهو يحرص على أن يقدم كل ما يستطيع لأولئك النسوة، فهن رفيقات والدته، وعشن معها، ويضيف: "ولكن الحال كما ترون.. لدي أسرة ولا أملك سيارة وليس لي سوى ما يأتيني من الضمان، وما تقدمه الجمعية الخيرية في هروب في فترات متباعدة، وما زاد ألمي هو الأيتام أبناء ابنتي الذين توفي والدهم في حادث في منطقة نجران وهو يبحث عن عمل، فحالهم يرثى له، فقد حرموا من الأب والرفاهية كأبناء جيلهم، فنحن مرت بنا السنوات وتحملنا المهام، ولكن هذا الجيل بحاجة للعناية".
أعشاب شريفة
واصلنا سيرنا برفقة قائد المركبة سلمان قاسم، لنصل إلى السيدة شريفة الصهلولي، التي تشابهت معاناتها مع صديقتيها في عدم حصولهن على هوية وطنية تمكنهن من الحصول على أبسط حقوقهن، وهو العلاج، لأنهن يعانين من ألم شديد ولكن ليس أمامهن إلا الصيدليات أو بعض الأعشاب, فشريفة الصهلولي تقضي وقتها مع أغنامها، فليس لديها القدرة على أن تلتقي صديقاتها سعيدة وشارة وزرعة، لتقدمهن في السن، ولعجزهن عن الحركة.
تجاوب إعلامي فقط
ومنذ أن طُرحت قصتهن للإعلام في رمضان الماضي، تجاوبت هيئة حقوق الإنسان إعلامياً وقت نشر الخبر، وكذلك الشؤون الاجتماعية، غير أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء الذهاب وتقديم تقارير عن حالة أولئك النسوة، وأيضاً لم توصل الجمعيات الخيرية في منطقة جازان وغيرها، المعونات لهن، وغاب رجال الأعمال والمحسنون عن بناء مساكن لهن بدلاً من كهوف الجبال.