تساؤل يستخدمه الكثير من بعض أبناء البلاد العربية كأحد مفردات الترحاب التي يستخدمونها عند اللقاء، وهذا الاختيار الذي يستعير معنى اللون لكي يعبّر عن حالة الإنسان .. يتلائم مع الغنى والبلاغة التي اكتشفها العلم .. والخاصة بالألوان، من خلال ذلك التأثير الفسيولوجي (الخاص بوظائف الأعضاء) على الجسم الإنساني، وذلك منذ الاستشراف الذي بدأه العالِم العربي الحسن بن الهيثم .. وحتى الاكتشافات الرائعة على يد العالِم المرموق إسحق نيوتن (Isaac Newton) فلقد ازدهرت ثقافة الإبداع الفني بعدما تألّـقت علاقة الفن بالعلم بعد هذه الاكتشافات الهامة عن ميكانيكية إحساس العين البشرية بلغات الشكل ـ خاصة الألوان ـ، وانتهت بذلك المفاهيم التقليدية عن الألوان وأصلها ودرجاتها وأنواعها، بتلك التأثيرات الفسيولوجية والسيكولوجية والتشكيلية على المتلقّي، ومن نعم العلم على الفن .. أنه تبيّن أن التنويعات التي يتشكل منها عالم اللون (ملايين الملايين من الدرجات اللونية)، والتي تبدأ بثلاثة آلاف وخمسمائة درجة ضوئية في اللون الواحد، ولا تستطيع العين البشرية استيعاب أكثر من مائتين وخمسين درجة من خلال قدرتها على الإبصار، إن هذه الدرجات هي قيمة الضوء الموجودة في كل درجة لون، وتتحول كل درجة إلى لون جديد وله ثلاثة آلاف وخمسمائة درجة أخرى .. وهكذا.

وتُمثل هذه الدرجات القِيمة ما بين الأبيض والأسود، فالأبيض هو قمة الإضاءة .. والأسود هو آخر درجات القتامة .. ومن أوجه القصور الناتجة عن دور التربية الجمالية والتذوّق الفني .. غياب الوعي بالثقافة اللونية، التي تُؤثّر إجبارياً من الناحية الفسيولوجية على أداء أجهزة الجسم، فما بين درجات اللون الأخضر المائل إلى الزُرقة هناك درجات من الـ (Blue Green) تُؤثّر على من يراها .. بالإحباط، ودرجة أخرى من الـ (Green Earth) تُثير في نفس من يراها الإحساس بالإنتماء والولاء، ومن بين درجات اللون الأحمر الـ (Vermilion) درجة تُساعد على إرتفاع ضغط الدم .. فتزداد سرعة ضربات القلب، وعندما يزداد الضوء في نفس اللون (Light Pink) يشعر الإنسان بالسعادة والرضا، وبعض درجات اللون البرتقالي (Cadmium Orange) تُساعد على سرعة إفراز العُصارة المعديّة .. فيزداد إحساس الإنسان بالجوع الكاذب، ويُعتبر الوعي بالثقافة اللونية ضرورة أكثر احتياجاً للمعماريين ومصممي الديكور .. لما لهم من تأثير مُباشر في استعمال الدرجات اللونية بمعانيها وتأثيراتها على الأنفس، والتي يبدأ تفعيل هذا التأثير بعد حوالي عشرون ثانية من النظر إلى اللون، على أن تغطي مساحة هذا اللون مخروط الرؤية .. لقاعدة الهرم البصري الذي تُمثل عين الرائي قمته .. وقاعدته هي الشكل المرئي.

وإذا التمسنا العذر نحو غياب الثقافة اللّونية ضمن تعثّر دور التربية الجمالية والتذوق الفني ـ وهي الفريضة الغائبة عن أجهزة الدولة التعليمية والثقافية والإعلامية ـ فإن ذلك غير مقبول داخل الأوساط الفنية .. خاصة في داخل كليات الفنون، فكم يكون مؤسفاً أن تصل آثار تلك المحْنة إلى بعض رسائل الماستير والدكتوراة، والتي نجد فيها ـ عند الإشراف عليها أو مناقشتها ـ مفاهيم يستخدمها العامة عند ذكر الألوان (اللون الأبيض واللون الأسود واللون الأخضر واللون الأزرق .. وهكذا) .. فالأبيض ليس لوناً ولكنه درجة الإضاءة، والأسود أيضاً .. ليس لوناً ولكنه درجة القتامة ـ كما ذكرت ـ، والأصفر ليس لوناً واحداً ولكنه أُسر مختلفة .. منها الـ (Cadmium Yellow، Lemon Yellow،Sun Yellow، Ochre Yellow،Amber Yellow ،Chrome Yellow)، وكذلك الأزرق (Cobalt Blue، Ultramarine Blue، Prussian Blue)، ولكل أسرة منهم درجات متعدّدة .. ولكل درجة اسم خاص وتأثير فسيولوجي وتأثير سيكولوجي وتأثير تشكيلي .. يختلف من درجة لأخرى.

إن الاستمتاع الذي تحْمله المعرفة والتّنوير لكل إنسان فَقَد اعتناء أجهزة الدولة بدورها المُقدّس نحو هذا الاستمتاع .. فريضة غائبة، تتحوّل عند المتخصصين .. وداخل كليات الفنون إلى ذنوب لا تُغتفر، في الوقت الذي أصبحت فيه المعلومات كالماء والهواء الحقيقي .. وليس كالماء والهواء الملوّث في مفهوم مجانية التعليم.

د . محمد شاكر .